نيكولو ماكيافيللي... ماذا تعرف عن هذا الكاتب و السياسي الإيطالي السيء السمعة ذائع الصيت في أوروبا و العالم

نبذة تاريخية عن حياة الكاتب

ولد نيكولو ماكيافيلي في أسرة إيطالية عريقة يوم 23 مايو عام 1469 للميلاد، كان الميديكيون قد أقاموا لأنفسهم حكما ظالما إستبداديا، و في نفس الوقت كان محافظا على الأنظمة الجمهورية القديمة، لكنهم سيطروا بالطول و العرض على الحكم الحقيقي.

في حين لم تكن أسرة ماكيافيلي موالية لأسرة ميديكي الحاكمة، و كان والد نيكولو محاميا واسع الشهرة و الصيت آنذاك، و هو من كبار الداعمين و الداعين للجمهورية.

أما فيما يخص حياة نيكولو ماكيافيلي في شبابه، فلا توجد الكثير من المعلومات بل هي شحيحة جدا، من المفترض أنه قد تثقّف ثقافة بسيطة، و هي ثقافة أبناء الطبقة المتوسطة المعتادة في زمانه، فقرأ في تاريخ الرّومان و التراجيم اللّاتينية لمختلف أمّهات الكتب الإغريقية القديمة.

لم يكن نيكولو ماكيافيلي مجرد كاتب أو فيلسوف أو صاحب نظرية، بل كان مشتركا في الحياة السياسية المضطربة و غير المستقرة التي عاصرتها مدينة فلورنسا الإيطالية في ذلك الوقت الذي عاش فيه.

شبابه و نشأته

شبّ نيكولو في عهد أمير ميديكي أطلق عليه أهل فلورنسا لقب لورينزو العظيم، و قد ٱعتبر عهده عصرا ذهبيا للنهضة الإيطالية.

كان لورينزو أديبا و شاعرا مفطورا، فٱهتم بالأدباء و الفنانين و أهل العلم، لكنه مات مبكرا سنة 1492 م، و ٱضطر خلفه بييرو إلى الخروج إلى المنفى بعد عامين، بعدما تعرضت المدينة لغزو فرنسي جديد على يد ملك فرنسا شارل الثامن.

و قد ظهر راهب دومينيكاني ( من دولة الدومينيكان ) يسمى سافونارولا، و تمكن هذا الأخير من إصلاح الجمهورية، و نجح في إقامة حكومة دينية سرعان ما ٱنهارت، و أُعدم الراهب و حُرّقت جثّته سنة 1498م.

و بعد بضعة أشهر تم إنتخاب نيكولو ماكيافيلي سكرتيرا للمستشارية الثانية لجمهورية فلورنسا، و هي تشرف على الشؤون الخارجية و العسكرية، و قد إستثمر نيكولو في الحكم 13 عاما، ثم حدث ما لم يكن في الحسبان، حيث جاء الجيش الفرنسي مرة أخرى إلى فلورنسا، فٱضطر أهلها إلى إستدعاء أسرة ميديكي الحاكمة، و بالتالي خرج نيكولو منفيا من مدينته.

حياته في المنفى

إعتمد نيكولو في حياته أثناء المنفى الريفي الذي عاشه على دخل بسيط من ممتلكاته التي توجد في بعض الضواحي، كان يستيقظ باكرا و يخرج إلى الغابة يتحدث مع الحطابين و يتبادل معهم الأقاويل و الشائعات، ثم يذهب إلى إحدى التلال و يجلس وحيدا، و هناك كان يقرأ لـ دانتي أو شيراك أو تيبيولوس أو أفيد، و بعد تناول غداء خفيف يمضي إلى الحانة، و يتحدث مع الطحّان و القصّاب و بعض البنّائين، و يقضي معهم طيلة فترة الظهيرة يلعبون الورق و النّرد و يتشاجرون على بعض الدريهمات القليلة.

عندما يأتي المساء، يعود إلى المنزل و يقوم بتغيير ملابسه الرّيفيّة التي عادةً ما تكـون قد أصابتها الأوساخ و القاذورات أثنـاء جولته، و يرتدي ملابس البلاط و التشريفات لكي يكون في صحبـة مـن أحبهم، و يدخل إلى مكتبته الخاصة.

كان يعتبر ذلك هو حياته الفعلية، و خلال ذلك الوقت، كان يُدوّن ملاحظاته في کتاب صغير أسماه "الأمير".

بعد ذلك إعتزم مكيافيللي أن يهدي كتابه "الأمير" إلى أحد أفراد أسـرة ميديكي آملا أن ينعموا عليه بمنصب جديـد، فيعود إلى حياة الخدمة العامـة.

و قد كتب بالفعل إهداء عنونه:

من نيكولو مكيافيللي إلى لورينزو، الإبن العظيم لبييرو دي ميديكي.

______________________________

ملاحظة:

هناك شك في أن يكون الكتاب قد قُدّم فعلا إلى لورينزو قبل وفاته في عام 1519م، و لكن من المؤكد أن هذا الكتاب قد وُزّع بشكل ملحوظ و طُبع مرات عديدة، لكنه لم يطبع إلا بعد خمس سنوات من وفاة مكيافيللي أي في عـام 1532م.

______________________________

ماذا قيل عن شخصية ميكيافيلي

كُرّم مكيافيللي في أواخر حياته بفضل جهود بعض أصدقائه، و ذلك بأن أوفد في بعض البعثات غير ذات الشأن الكبير، كما أن الكاردينال دي مديكي ( الذي أصبح البابا كليمنت فيما بعد ) قد أوكل إليه بكتابة تاريخ فلورنسا، و خصّص له راتباً سنوياً متواضعاً، و في تلك الأثناء ٱزدادت مشكلات إيطاليا، و تعقّد ما تعاني منه من مشاحنات و خصومات، كل ذلك ساعد على مضاعفة شقاء مكيافيللي و تعاسته.

فقد بدأ لوثر حركة الإصلاح الديني، و تنافس شارل الخامس إمبراطور ألمانيا مع فرنسوا الأول ملك فرنسا من أجل السيطرة على إيطاليا، مما ألحق بـ روما الكثير من الخراب و التدمير، و أدى إلى طرد عائلة مديكي مرة أخرى من فلورنسا.

و قد أعيدت طباعة كتاب "الأمير" عشرين مرة خلال عشرين عاما، و إذا كان هناك بطل لهذا الكتاب فهو قيصر "بورجيا" الذي يخصّص الفصل السابع من الكتاب لسرد أعماله و مآثره و صفاته، و للثّناء عليـه و إطرائه.

و قد أخطأ مكيافيللي خطأ كبيراً عندما ٱختاره بطلاً لكتابه، فقد إقترف هذا البطل جرائـم كثيرة ليصل إلى السلطة، كما ٱرتكب جرائم أخرى بصورة عارضة.

و قد ساهم ذلك الإختيار الخاطئ في تعميق إكتساب مكيافيللي للشهرة السيئة بعد وفاتـه عندما نشر الكتاب.

و قد أصبح هذا الكتاب الصغير منذ ظهوره في القرن السادس عشـر مثـار جدال كبير، كما أصبح مادة ضرورية لدراسة علم السياسة في عصر النهضة.

و على الرغم من كل ذلك إستمر الجدال الحاد، و الخلاف الكبير حول الكتاب، و هو على الرغم من إشتماله على عدد كبير من المبادئ و المفاهيم السياسية الناضجة التي ٱعتنقها مكيافيللي، إلا أنه لا يشمل كل آرائه السياسية.

و مذ ظهور الكتاب في طبعاته الأولى، و الخلاف الذي يـدور حـول مـا فيـه مـن مضامين أخلاقية، و قد تطوّر هذا الخلاف إلى ما هو أبعـد مـن مجـرد تناول أغراضه العملية، و علاقته بالمستقبل السياسي لعائلة ميديكي.

و قد ٱعتبره علمـاء الأخلاق و خاصة في بريطانيا و فرنسا كتابا مناسبا فقط للطغاة الأشرار، و كنتيجة لهذه السمعة السيئة التي لحقت بالكتاب، أصبح كتاب "الأمير" معروفاً للقراء الأوروبيين في القرنين السادس عشر و السابع عشر، و كثرت الإشارة إليه في الأدب المسرحي في تلك الفقرة، بل إن شخصية مكيافيللي نفسها قد ٱستخدمت في بعض الأعمال المسرحية كشخصية شريرة بما يتناسب مع هذه السمعة.

إلا أن تناول مكيافيللي لتضارب المصالح بين العامة و الحكام، كان موفقاً للغاية و يعتبر إنجازاً حقيقياً، و هذا التضارب يحدث عادة بغض النظر عمـن هـم أطرافه أو عن الفترة الزمنية التي يحدث فيها هذا التضارب، فالتاريخ ممّا لا شك فيه يعيـد نفسه.

و يعتبر مكيافيللي مسئولاً و لو جزئياً عـن الجـدل الـذي ثـار حـول كتابـه "الأمير" عقب طباعته، فهو لم يحاول تنظيـم أفكاره و لا تفسير مصطلحاتـه التقليدية.

كما أنه أخفق أيضاً في توضيح العلاقة بين الأمير الجديد الذي سيصلح الهيئات الفاسدة و بين النظام الجمهوري الذي كان هو من الدعاة إليه، كما أنه قضى طوال حياته مخلصاً لهذا النظام و منادياً به و مدافعاً عنه.

و على كل حال فإن الترجمة التالية للكتاب ستوضح للقارئ كـل أفـكـار مكيافيللي الواردة في هذا الكتاب، و سواء كانت تلك الأفكـار، أفكـارا طيبـة أو خبيثة، فذلك واضح وضوح الشمس، و لا يحتاج إلى تعليق في أي موضع من الكتاب.

و يمكننا أيضاً الإستفادة مما في الكتاب من خير و إن قـلّ و تـوارى بين طيات ما هو خبيث، كما يمكننا أيضاً تجنـّب مـا في الكتـاب مـن شـر واضح.

و يستطيع القارئ بنفسه تكوين فكرة صائبة عن الكتاب، و عن مؤلفه، فالمؤلف لم يجهد نفسه بتزيين أفكاره لتبدو طيبة و رائعة من الخارج فقط، و قد ذكر ذلك في الإهداء الذي صدر به كتابه، و لكنه كان مباشرا و صريحاً في كل ما كتب في هذا الكتاب.

و نتمنى للقارئ العربي أن يستمتع بقراءة هذا الكتاب و يقارن ما قرأه فيه بما يحدث في كثير من بقاع الأرض في عالم اليوم.

لقراءة الكتاب كاملا، ما عليك سوى النقر هنا لتحميل الكتاب على الرابط المباشر لملفات ميديا فاير، و لا تنسى ترك تعليق أو مشاركة المقال ليصل ألى عدد كبير من الجمهور القارئ و لك منا كامل الإحترام و التقدير على إخلاصك لموقعنا المتواضع.