عرفت السياحة منذ العصور القديمة، فهي قديمة قدم الإنسان و عريقة عراقة التاريخ، فمنذ أزمنة طويلة و الإنسان في حركة دائمة بين السفر و التنقل بحثا عن أمنه و ٱستقراره.
و مع تطور وسائل النقل و تسهيل السفر، ٱزدادت شعبية السياحة في العصور الحديثة.
في القرن التاسع عشر، و مع بداية القرن العشرين، زاد الإهتمام بالسفر لأغراض الترفيه و الإستجمام، حيث تم تطوير قطاع السياحة كصناعة نشطة.
و قد ساهمت التكنولوجيا المتقدمة و وسائل النقل الحديثة مثل الطائرات و القطارات و السفن في تسهيل السفر، و توسيع نطاق وجهات السياحة.
و اليوم، تُعدّ السياحة صناعة عالمية ضخمة تساهم في النمو الإقتصادي، و توفير فرص العمل و تعزز التبادل الثقافي و التفاهم العالمي.
و يمكن لنا أن نميز بين أربعة مراحل أساسية مرت بها السياحة و هي كالتالي:
أولا: مرحلة العصور القديمة
في العصور القديمة، كان السفر و التنقل لأغراض السياحة تحدٍ بسبب قلة وسائل النقل و التواصل المتاحة.
و تعرف مرحلة العصور القديمة بوجود الإنسان على وجه الأرض حتى القرن الرابع عشر، حيث كان الإنسان خلال هذه المرحلة بدائيا في تنقلاته و مسكنه، و كان يتنقل على الأقدام و يستخدم الدواب أثناء سفره، و يحكمه قانون الطبيعة لا غير.
عمومًا، كانت السياحة في العصور القديمة تتمحور حول الإستكشاف و التجارة و الدين و الثقافة.
و كانت الوجهات السياحية الشهيرة في تلك الفترة تستند في الغالب إلى المعابد و الآثار التاريخية و المواقع الدينية.
و مع ذلك، كانت هناك بعض الأمثلة على السياحة في تلك الفترة و هي :
- المصريين القدماء : يُعتبرون من أوائل المجتمعات التي شجعت على السياحة، حيث توجه الناس من مختلف الأماكن لزيارة معابدهم و آثارهم الفريدة، مثل الأهرامات و معبد الكرنك و معبد الأقصر، فقاموا بإنشاء السفن، و إرسال البعثات التجارية و الإستكشافية و شق طرق التجارة، و تحسين النقل البري و الجوي و البحري، فزادت الرغبة في التنقل، مما ساعد في قيام الحضارات.
- الفينيقيين : كان السفر للغرض الديني إلى المعابد و المواقع المقدسة مشهور في العصور القديمة، على سبيل المثال كانت دلفي و أوليمبيا في اليونان و المواقع المقدسة في روما و البومبي تجذب السياح، فالفينيقيين وصلوا برحلاتهم إلى مالطا و شمال إفريقيا نتيجة حبهم للمغامرة و الإهتمام بالنقل البحري في سبيل الحصول على المعرفة و الكسب المادي.
- اليونانيين القدامى : تميزوا بإقبالهم على جبل أولمبيا لمشاهدة الألعاب الأولمبية و المشاركة بها، فكان لها الفضل في الجذب السياحي، و زادت الحاجة إلى الفنادق التي تأوي زوار أثينا، و بذلك إنتقلت السياحة نقلة عملاقة إلى الأمام.
- الصين القديمة : تعتبر جدران الصين العظيمة و قصر الصيف و الأماكن التاريخية في شي يان و لويانج مواقع سياحية مهمة للسياح في العصور القديمة.
ثانيا: مرحلة العصور الوسطى
آخر إمبراطوريات العصر القديم الإمبراطورية الرومانية، التي تعد مركز إشعاع فكري و حضاري، و بفضلها تطورت حركة الأسفار في العالم آنذاك.
بدأت مرحلة العصور الوسطى بسقوط الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول عام 395 ميلادي حتى القرن الخامس عشر.
إلا أن سقوط الإمبراطورية الرومانية قد غير الحال تماما في أوروبا، حيث تحولت أوروبا إلى مجموعات متعددة من الإقطاعيات المتنازعة و المنغلقة على نفسها، و ساد الظلام في أوروبا و تلاشت المدن الكبرى، و غاب الأمان و كثرت الإختلافات و النزاعات بين المقاطعات، مما أثر سلبا على حركة الأسفار بمختلف دوافعها.
و بعد ذلك إنتقلت التجارة إلى الدولة البيزنطية بوصفها مركزا مهما للتجارة، و كان التجار يأتون من جميع الجنسيات، من روما و بلغاريا و بلاد الفرس و روسيا إلى بيزنطة.
و شهدت السياحة تطورًا ملحوظًا بتطور النقل البحري فيما يخص المراكب الشراعية، و كذلك بناءً على عدة عوامل إجتماعية و إقتصادية و ثقافية.
و رغم كل الظروف و الصعوبات و الأخطار التي كان يتعرض لها المسافرون على الدوام، إلا أن بعض الرّحالة قاموا برحلات طويلة، و من أشهرهم الرحالة الإيطالي المشهور ماركو بولو Marco Polo، الذي قام برحلة طويلة بدأت عام 1254م و ٱستمرت حتى عام 1923 م.
و فيما يلي مراحل و جوانب هامة للسياحة في العصور الوسطى:
الحج و الزيارات الدينية: كان الحج و الزيارات إلى المواقع الدينية هدفًا رئيسيًا للسياح في العصور الوسطى، و تشمل هذه الزيارات الحج إلى الأماكن المقدسة مثل القدس و مكة و مدينة الفاتيكان و سانتياغو دي كومبوستيلا في إسبانيا.
الشعائر و الإحتفالات: تجذب الشعائر الدينية و الإحتفالات الدينية الكبيرة الزوار من جميع أنحاء العالم و تعتبر رحلات الزيارة للأماكن التي تقام فيها هذه الإحتفالات، مثل مهرجانات الأعياد و الكرنفالات.
السفر لأغراض التجارة : كانت التجارة تلعب دورًا هامًا في العصور الوسطى، فالتجارة الدولية كانت تحتضن تبادل السلع و الثقافات، سافر التجار و الحرفيون و الدبلوماسيون بين المدن و الممالك لأغراض التجارة و التعاون الإقتصادي.
السفر لأغراض التعليم و التعلم : تطورت الجامعات و المدارس في العصور الوسطى، و أصبحت المراكز الثقافية مهمة، فكان الطلاب و المعلمون يسافرون من مكان لآخر بحثًا عن المعرفة و التعليم.
السفر للترفيه و الإستجمام : كان هناك سفر للترفيه و التسلية في العصور الوسطى حيث تمتع النبلاء و الطبقة الثرية برحلات الصيد و النزهات إلى الريف و زيارة الحدائق.
غير أن السفر بدافع القيام بالشعائر الدينية كان هو الأبرز في مرحلة العصور الوسطى حيث تطور الوازع الديني في هذه المرحلة بإنتشار الديانة المسيحية، أصبح المسيحيون يشقون طريقهم إلى المعابد المسيحية الجديدة، و مثال ذلك الرحلات التبشيرية بهدف نشر الدين المسيحي، مثل رحلة القسيسين جان بلنوكا و بنوا البولندي، اللذين أوفدهما البابا إلى منغوليا سنة 1246 م و تركا وصفا لرحلتهما أسمياه رحلة إلى بلاد التتار.
و مع نهاية القرن الخامس عشر ميلادي كانت رحلة فاسكو دي غاما Vasco da Gama إلى الهند ثم الصين عن طريق رأس الرجاء الصالح، و رحلة كريستوف كولومبوس Christopher Columbus إلى أمريكا سنة 1492م، مما شجع الأوروبيين على الهجرة إليها فيما بعد، و رحلة البرتغالي فرناندو ماجلان Fernando de Magallanes حول العالم و الذي قتل في الفلبين 125 م.
أما بالنسبة للعالم العربي فقد برزت الدول العربية، حيث أصبحت الدول العربية الإسلامية، مركزا للإشعاع الفكري و التطور العلمي في الفترة ما بين القرنين الثامن و الرابع عشر الميلاديين، و تطورت الأسفار بمختلف دوافعها و بواعثها ، و قد أسهموا في ذلك إسهاما رائدا، في وضع الأسس الأولى لفروع السفر و السياحة.
و كانت بغداد و قرطبة أكثر المدن ثراءً، حيث تشكلان مركزين ثقافيين تستقطبان طالبي العلم بهدف الدراسة و التعلم.
و تطور الوازع الديني عند المسلمين خلال هذه المرحلة، مما أدى إلى السفر سنويا لأداء طقوس الحج في مكة و المدينة المنورة، علاوة على زيارة بيت المقدس في فلسطين.
و قد تطور عند العرب السفر بدافع حب الترحال و الإستكشاف، حيث رافق ذلك تطور صناعة الورق، حتى قام الرحالة بإعداد مخطوطات، دونوا فيها إنطباعاتهم عن الأماكن التي وصلوا إليها، و قاموا بوضع الخرائط الجغرافية للبلدان التي زاروها.
و من أبرز الرحالة العرب آنذاك إبن بطوطة، الذي بدأ سياحته في الحادية و العشرين من عمره حتى 28 سنة ، شملت رحلته كلا من الجزائر، تونس، مصر، الشام، ثم الحجاز و القرم و روسيا و إيران و الهند و الصين.
بعد عودته سافر إلى الأندلس و السودان، و دوّن ذلك في كتابه "تحفة النظائر في غرائب الأمصار و عجائب الأسفار"، و كذلك أبو عبيد البكري في كتابه "المسالك و الممالك"، تحدث فيه عن غرب إفريقيا، و هذه الكتب صالحة للإرشاد السياحي.
ثالثا : مرحلة العصر الحديث
تمتد هذه المرحلة من القرن السادس عشر و نهاية القرن التاسع عشر الميلاديين، نالت وسائل النقل في هذه المرحلة قسطا من التطور، حيث زاد فيها ٱنتقال البشر، فوصلوا إلى معظم أقاليم أمريكا اللاتينية، و توجه الأوروبيون إلى إفريقيا، و ظهر بعض التطور في الناحية الإجتماعية، الذي نتج عنه بروز علماء و فنانين في مختلف المجالات العلمية و الدراسية و الفنية.
و في أواخر القرن الثامن عشر، أثمرت بذور التنقل و الترحال لتعطي لنا و لأول مرة في إنجلترا تعبير Touriste سائح، و Tourisme سياحة، لتطلق على رحلات النبلاء الإنجليز لأوروبا.
و خلال الفترة تلك و بداية القرن التاسع عشر، أحدثت الثورة الصناعية تغيرا كبيرا في وسائل المواصلات و الإتصال، مما أدى إلى إختصار الوقت و المسافة، و زيادة الطبقة العاملة، الشيء الذي تعدى مفهوم الإنتقال و الترحال بالنسبة للطبقة الغنية، ليشمل بعد ذلك طبقة العمال المتوسطة.
مرحلة العصر الحديث للسياحة تتطلب تكيف و تحديث الوجهات السياحية، و الشركات المتعلقة بالسياحة لمواكبة الإتجاهات الحديثة، و تلبية توقعات و إحتياجات السياح الحديثة.
حيث مع بداية القرن العشرين، و بالضبط بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، و بإستقرار الأوضاع السياسية، و ٱزدهار الأوضاع الإقتصادية و ٱرتفاع المستوى المعيشي، و توفر وسائل النقل المتطورة كالطائرات، إسترجع الإنسان ماضيه الحافل بالترحال، و لكن تحت شعار جديد عرف بالسياحة و بإستخدام أحدث وسائل النقل.
فإستخدام التكنولوجيا لعب دورًا حاسمًا في تحسين تجربة السفر، و تسهيل الحجوزات و التواصل بين السياح و الوجهات السياحية، فازداد الإهتمام بالسياحة المستدامة، حيث سعى السياح إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية، و التقليل من التأثير السلبي على المجتمعات المحلية.
هنا أدركت الحكومات أن السياحة لم تعد ذات طابع تقليدي، و إنما صارت إقتصاد للتخطيط السياحي، مثل الإتحاد الدولي للمنظمات السياحية الرسمية International Federation of Official Tourism Organizations، و الذي سرعان ما تحول إلى منظمة دولية متخصصة في شؤون السياحة عرفت باسم منظمة السياحة العالمية WTO) World Tourism Organization) التابعة لهيئة الأمم المتحدة.