ثقافة العبث !!، العبث هو مصطلح يستخدم لوصف سلوك أو فعل غير منتظم، أو غير مفهوم أو لا يلائم الظروف المحيطة به، و يمكن أن يشير العبث إلى فعل عشوائي أو غير مرتبط بالواقع أو الهدف المرجو منه، و يمكن أن يشير إلى سلوك مزعج أو غير مسؤول.
و بشكل عام، يعتبر العبث سلوكًا غير مرغوب فيه في معظم الحالات، حيث يتسبب في تكلفة إضافية أو ضرر للأشخاص أو البيئة المحيطة به، و من الممكن أن يكون العبث ناتجًا عن عدم الإنضباط أو الوعي أو الثقة بالنفس، و غالبًا ما يكون مصدر إزعاج للآخرين و يسبب شعورًا بالإحراج أو الضيق.
هناك العديد من أنواع العبث، فمنه ديني، و إجتماعي، و ثقافي، و إقتصادي، و من الممكن أن تجد عبثا سياسيا و كل لديه سماته و خصائصه، أما فيما يخص موضوعنا هذا تطرقنا إلى مسألة العبث بالشأن النسائي، من أطروحة الكاتبة و الأكاديمية السعودية الدكتورة نورة بنت خالد السعد.
العبث بالشأن النسائي
طرحت الدكتورة نورة بنت خالد السعد، الكاتبة و الأكاديمية السعودية، المعروفة في الساحة الإعلامية، بكتاباتها الرزينة العاقلة المتعقلة (ربيع الحرف)، فكرة مهمة حول أسلوب عمل المرأة، من منطلق إنتمائي، و ليس عمل المرأة فحسب.
و ركزت في وقفتها تلك على التنبيه إلى عدم ٱستغلال المرأة لأنوثتها، أو بسبب أنوثتها، و إخراجها من سمتها و حيائها و حشمتها بحجة العمل.
و كان طرحها واقعيا، منتميا لما تنتمي إليه الدكتورة نورة السعد، و جميع صاحباتها العاملات في مجالات شتى، و ٱنبرئ من يتهمها بأنها ستعيد المرأة المعاصرة إلى حال المرأة في عصر المماليك.
نحن هنـا بـحـاجـة إلى شخص متخصص في التاريخ الإجتماعي، أو الإجتماع التاريخي ليبين لنا ما كانت عليه المرأة في عصر المماليك، هل هي كما صورها مؤرخون غير منصفين؟
أم أنّها، كما رسمها مستشرقون، قابعة في سكن الحريم، مهيأة للرجال، متى ما عادوا إلى لهوهم، وهي جزء من لهوهم، على اعتبار أن الحياة عند هؤلاء، في نظر بعض المستشرقين من المؤرخين، كانت لهوا و عبثا.
كثيرا ما نظلم المماليك في حياتهم السياسية و الاجتماعية و الثقافية و الفكرية، بل و صورهم الإعلام الإستشراقي الغربي، و الإعلام الـقـومـي الـعـربـي، على أنهم كتل من الـغـبـاء المـركب، و الشهوات الجامحة، و لعل هذا كان من إيحاءات ٱستشراء المد القومي في بدايات القرن الهجري الرابع عشر، القرن العشرين الميلادي.
و بهذا ننسى الجهود التي قام بها المماليك لصد الغزو الفكري و العسكري على المجتمع المسلم، و منه المجتمع الغربي، هذه واحدة.
و الأخرى أن الدكتورة نورة السعد كانت تنطلق، في وقفتها تلك، إلى الرغبة في إيجاد بيئة عمل للمرأة، تعفيها من التعرض لما تتعرض له المرأة العاملة في مجتمعات لم تهتم بإيجاد هذه البيئة، و ٱعتبرتها رجوعا إلى عصر المماليك، و بالتالي ٱنغلاقا و تحجيما لإمكانيات عمل المرأة، و توسيع فرص إسهامها في سوق العمل.
و إسهام المرأة في سوق العمل لا يراد له أن يكون على حساب المبادئ و المثل و القيم التي صاغت هذا المجتمع، المؤكد أن هذا ليس قصد أولئك الذين ٱتهموا الدكتورة نورة السعد بتلك الإتهامات، و لكن ذلك يعود كله ربما إلى النظرة العاطفية للمرأة في مجال خروجها للعمل.
و ليس أولى من المرأة إلا المرأة نفسها، حين تتحدث عن مجال خروجها للعمل، فهي التي ترقب صاحباتها العاملات، و مدى الموضوعية و الواقعية في إسناد بعض الأعمال لهن.
لابد من التوكيد على الوضوح، من منطلق منهج الوسط في الطرح حول إيجاد بيئة عمل للمرأة تسهم فيه في تنمية المجتمع، و يكون و سيلة تسترزق من ورائه، و لا بد من الإبتعاد عن كل أساليب الحوم حول الحمى دون الوقوع فيه، ذلك أن المشكلة التي تعاني منها المرأة و يعاني منها الرجل كذلك هي المراد من عمل المرأة، أو المراد من المرأة في عملها.
الذين يسافرون في رحلات عمل أو سيـاحـة يـجـدون هـذا السؤال قائما، و أكاد أقول: إن المرأة قد أحيلت في كثير من الحالات إلى أداة أكثر من كونها إمرأة عاملة، هذه الأداة جعلها كما أراد أن يعبر عنه بعض الذين ردوا على الدكتورة نورة بنت خالد السعد، و يبدو أنها أحيلت إلى أداة لمجرد متعة النظر، و إشباع رغبات ذاتية و بالتالي، طلب منها أن تتزين للعمل، و أن تلبس أحسن الثياب، و أقلها ما أمكن، فلم يعد التبرج قاصرا على أهل الفن و المواخير الليلية، بل أضحى مرئيا في الشارع و المتجر و المكتب و المشغل.
المؤمل من الجميع تأمل هذا الطرح، و النظر إليه مرة أخرى بمـوضـوعـيـة و واقعية و قليل جدا من العاطفة التي تشطح بالموضوع، و تبعده عن الخروج بنتيجة.
أهم العوامل التي تراعى في إيجاد بيئة عمل للمرأة، و ليس هو العامل الوحيد هو الإبتعاد عن المخالطة التي ولد ما ولد من مشكلات ٱجتماعية لها أول و ليس لها آخر، ثم تأتي العوامل الأخرى في هذه البيئة تراعى فيها طبيعة المرأة و حاجتها إلى أمور مهمة في حياتها اليومية، تجدها أمامها في العمل.
و هذا الذي سعت إليه منظمة العمل الدولية، حينما كان من تركيزها في مؤتمرها العام الذي عقد عام ١٤٢٢هـ/ ٢٠٠٢م، مسألة الأمومة لدى العاملات، و إيجاد البيئة للرعاية و المتابعة منذ الحمل، فـالـولادة، فـالـرضـاعـة و الحضانة، مع إيجاد أماكن مخصصة لراحتها و راحة رضيعها.
و كان هناك نقاش طويل حول مدة الرضاعة أو الحضانة، كان موضع جدل بين فريق العمل و فريق أصحاب العمل، و لم ينته النقاش إلى رؤية محددة في تحديد آلية التي يمكن للمرأة العاملة فيها أن تحضن رضيعها.
من هذا المنطلق تفرض قوانين (أنظمة) العمل إيجاد هذه البيئة للمرأة لتحضن رضيعها، في أوقات تحددها اللوائح المنبثقة عن هذه القوانين (الأنظمة).
نقاش هذا الموضوع، بيئة عمل المرأة، لا يقتصر على الجانب المحلي فحسب، و لكن كل ينظر إليه من منطلقاته الثقافية، و ٱنتماءاته و عاداته و تقاليده.
و لابد من التوكيد مرة أخرى، أنّ الذين ٱنبروا للرد على الدكتورة نورة السعد في طرحها المتعقل، ليسوا منطلقين من منطلقات تغريبية فيها تقليد للآخر، و رغبة في الخروج من السمت و الإحتشام الذي عرف عن المرأة المسلمة عموما، و العربية خصوصا، و الخليجية على وجه أخص.
إلا أنّه لا يخلو من تأثر بأفكار غير ٱنتمائية، هي إلى العبث أقرب منها إلى النظرة الجادة للشأن النسائي.
عدم الموافقة على الطريقة التي تقدم بها الأفكار، نابع من الفهم أنها صيغت بمفهومات غريبة عن المجتمع المسلم، و تريد فرض هذه الأفكار على حساب المـفـهـوم الإسلامي الـنـظـري و التطبيقي للمرأة، على ٱعتبار أنهم يزعمون أن الإسلام يميز بين الرجل و المرأة.
فأصبح الموقف موقف المدافع عندما يبين موقف الإسلام من المرأة، بأسلوب يرغب فيه في إقناع الآخر بهذا الموقف، بعبارات عامة أنها صادرة عن رد فعل.
لا ينبغي اللجوء إلى موقف الدفاع، في الشأن النسائي و في غيره بقدر ما ينبغي إثبات حقائق جاء بها القرآن الكريم و سنة المصطفی ﷺ، و مورست في حياة المسلمين، و قبلت بها المرأة المسلمة إيمانا منها، و ٱعتقادا بها و لم تمل عليها.
هذا مع التوكيد على مرجعية هذا الموقف، دون الخلط بين المرجعية الشرعية و المأثورات الإجتماعية التي لم تكن إيجابية في موقفها من المرأة.
إذا كانت المرأة تعاني في بعض المجتمعات من التفرقة و سوء المعاملة، فإن هذا لا يعني بالضرورة مطابقة هذا على المرأة المسلمة، في الأسرة المسلمة الملتزمة بالإسلام.
كما أن ممارسات بعض المجتمعات المسلمة تجاه المرأة، تقليدا إجتماعيا موروثا، لا يعني تـمـاشي هذه الممارسات مع الدين، و لا تؤخذ حجة على الإسلام.