الخط المكي هو الخط الذي ساد في مكة المكرمة في عهد الرسول محمد صل الله عليه وسلم، و هو الخط الذي كتب به الرسول القرآن الكريم حينما نزل عليه في مكة المكرمة مُفَرّقا من قبل الكَتَبَة الموجودين في هذه المدينة المباركة، و قد ورثوا هذا القلم كما هو معروف ومُدَوّن في المصادر القديمة عن العصر السابق للإسلام، من دٌومَة الجَنْدَل في الجَوْفِ شمال نَجْد من شمال جزيرة العرب، و كان يطلق عليه قلم الجَزْم.
و لما كتب في مكة المكرمة أطلق عليه القلم المَكّي لحاجتهم في معاملتهم اليومية، و في تجارتهم في رحلة الشتاء و الصيف مع اليمن و الشام، التي ٱشتهروا بها، و حينما نزل القرآن الكريم على رسول الله صل الله عليه و سلم، دَوّنَه الكَتَبَة له بهذا الخط و إستمر على ذلك بعد هِجرَته إلى المدينة المنورة، و قد بلغ عدد كُتّاب الرسول صل الله عليه و سلم أكثر من 60 كاتبا.
و قد جُمِعَ على يد زيد بن ثابت رضي الله عنه بعد وفاته صل الله عليه و سلم في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، و معلوم أن زَيْدًا قد إعتمده في كتابة المصحف الكريم في أواخر أيام المراجعة الأخيرة للقرآن الكريم التي حضر فيها و التي كرّرها جبريل عليه السلام، و لذلك إعتمد الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خلافته في جمع القرآن الكريم و تدوينه كاملا في النسخة الأولى التي أعاد جمعها و تحقيقها في زمن الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه حين جعله رئيسا للجهة التي تَوَلّت مسؤولية كتابة مصاحف الأمصار، و كانت مُجَرّدة من الإضافات المعروفة فيما بعد و ذلك سنة 25 هجرية.
حينما إنتشر الإسلام في تلك الفترة بين الأقوام الأخرى من غير العرب، وجدوا صعوبة في قراءة القرآن الكريم عندها إحتاجت أول الإضافات من قبل أبو الأسود الدؤلي سنة 69 هجرية، فكانت علامات الإعراب أي التشكيل وهي حركة الفتحة و الكسرة و الضَمّة و التنوين بنقط حمراء، ثم أعقبها نقط الإعجام للتفريق بين الحروف المتشابهة كالباء و التاء و الثاء و غيرها في زمن الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق سنه 75 هجري.
و لكن الإعجام تنوع بإثر مخلفاته فإختلف المشرق عن المغرب، و في المشرق صار أكثر من نوع ثم أعقب ذلك الإهتمام بعض علامات الضبط في القرن الثاني الهجري على يد الجليل بن أحمد الفراهيدي الذي وضع تشكيلا جديدا لم تاخذ به المصاحف بالخط المَكّي إلا ببعضه حتى القرن الرابع هجري.
تطورت أدوار الكتابة و خاصة قطة القلم و ٱكتسب الخطاطون مهارة في الكتابة فٱستعمل القلم المحرّر قليلا كما ظهرت الكتابة على العمائر بالفسيفساء فٱعتدلت فيه الألف، و بقيت هي السائدة في القرن الثاني و ما بعده، و ظهر عنه أسلوب محسن أطلق عليه الجليل الشامي في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، و هو الذي يكتب على العمائر بحجمه الأكبر و ٱعتماده كتابة حرف الألف القائم.
و ظهر خطاطون مجيدون و يأتي في مقدمتهم خالد بن أبي الهياج فٱستعر الخط المكي على قاعدة بشكل موحد ساد في القرون الثلاثة الهجرية الأولى دون تغيير يذكر، و المرحلة الثانية هي مرحلة عصر الرسول صلى الله عليه و سلم، و هي مرحلة تدوين القرآن الكريم من قِبَل كَتَبَة الرسول صلى الله عليه و سلم، هو الذي عرف بالقلم المكي، و المرحلة الثالثة هي مرحلة كتابة مصاحف الأمصار، و في هذه المرحلة لم يتغير الخط المكي، و إنما طرأ عليه بعض العناية و التحسين، و دخلت عليه في المرحلة الرابعة إضافات الشكل و الإعجام و بعض علامات الضبط.
و أضيف إليها تنظيم الكتابة حسب السُوَر و الآيات، و كذلك إضافة التزيين بالزخارف و التذهيب، و صحب هذه المراحل كتابات سريعة و هي الكتابة العادية اليومية في الأغراض المختلفة.
و سميت المشق كما كتب بها المراسلات و العقود و التخاطب و غير ذلك مما دعت الحاجة إليه في الكتب اليومية الإعتيادية من غير المصاحف، و لذلك أطلق عليه خط المصاحف الخط الجليل المسيوط و أطلق على الخط اللّين المقور، فكانت كتابة سريعة و غير منظمة ولكن أشكالها الأصلية هي الخط المكي، و لم يستحسن كتابة المصاحف به خوفا من حدوث التحريف فيها نتيجة السرعة في الكتابة.
و قد أطلق على الكتابة القرآنية التي تكثر فيها الحدود في صلب الحروف في القرن الثالث الهجري كمصطلح جديد، و لذلك وردت في مصاحف هذه الفترة أنها مكتوبة بالمشق، ولم يدم طويلا لأن الخط المكي أخذ نخبة بالأقوال في القرن الرابع الهجري لتحل محله الكتابة المنسوبة في الشرق و الكتابة المغربية في الأندلس و شمالي إفريقيا، و أخذ إسما جديدا هو الخط الكوفي عند المتأخرين نتيجة جهلهم بالخطوط الموزونة المكية القائمة على أساس هندسي.
وهكذا يتابع المؤلف ما يتعلق بالمصاحف الكريمة و خطوطها منذ عصر الرسالة، و حتى الوقت الحاضر مستهلا ذلك بتسليط الضوء على الخط المكي و الخطوط الموزونة، و مبينا و من صور لرقع علامات الشكل و الإعجام و الضبط و الترتيب، ثم لينتقل إلى التعريف بالكتابة المنسوبة و خطوط المصاحف، ثم بيان قلم المحقق في القرنين الثامن و التاسع الهجري، و بيان خط النسخ و المصاحف ملقيا الضوء على المصاحف في المغرب العربي و الأندلس، و لابد من التنويه بإغناء المؤلف دراسته هذه بالعديد من الأشكال التي توضح خطوط المصاحف الكريمة منذ عصر الرسالة و حتى الوقت الحاضر.