علم الفلك عند العرب Astronomy among the Arabs

أطلق المسلمون على علم الفلك أسماء شتى، فقد ٱشتهر عندهم بإسم علم الهيئة، و علم النجوم، و علم النجوم التعليمي، و علم صناعة النجوم.

علم الفلك و التّنجيم 

إختلف علم الفلك عند علماء المسلمين عن علم التّنجيم أو ما يسمى أحيانًا علم أحكام النجوم، و على الرّغم من أن الدّين الإسلامي قد بيّن فساد الإعتقاد بالتنجيم و علاقته بما يجري على الأرض، و دلالة الكواكب و النجوم على مصير البشر و الأحوال المستقبلية، إلا أن ذلك لم يمنع بعض القائمين بالأمر، لا سيما الخلفاء العباسيين، أن يعنوا به في بادئ الأمر، لذا نجد أنهم لجأوا إلى المنجّمين قبل إقدامهم على الكثير من أعمالهم المهمة. 

فنجد المنصور قد قرب كافة المنجمين إليه و منحهم أموالاً و هبات كثيرة، بل عمل بأحكام النجوم، و كان يصطحب معه المنجمين مثل نوبخت الفارسي، و إبراهيم بن حبيب الفزاري، و علي الإصطرلابي المنجم. 

و عمل بتوجيهاتهم في كثير من الأحوال السياسية و الإدارية و العمرانية و العسكرية، بل نجدهم أحيانًا يعالجون الأمراض بمقتضى مواقع النجوم و الكواكب.

كان للعرب قبل الإسلام معرفة فلكية ٱنحدرت إليهم من تراث أجدادهم، بالإضافة إلى ما أخذوه من الأقوام المجاورين لهم كالكلدانيين و الفرس و السريان. 

فقد ألموا بمواقع النجوم و سيرها التقريبي بالملاحظة اليومية و ٱستدلوا بذلك على فصول السنة، و أطلقوا على الشهور أسماء مأخوذة من صفات هذه الفصول.

كما عرفوا عددًا كبيرًا من الكواكب و النجوم بأسمائها العربية أو الفارسية أو الكلدانية مثل المريخ الذي عرّبوه من الإسم الكلداني البابلي مردوخ، ثم في فترة لاحقة ٱستعاروا أسماء بعضها من الفارسية مثل: كيوانكيوان، برجيس، بهرام، أناهيد، التي أطلقوها على زحل و المشتري و المريخ و الزُّهرة على التوالي.

لم يؤسس علم الهيئة على منهج علمي و قواعد ثابتة إلا في العصر العباسي، شأنه في ذلك شأن سائر فروع المعرفة بعد أن ٱتسعت حركة النقل و الترجمة، إلا أنه من الغريب أن أول كتاب ترجم في علم الفلك لم يكن في العصر العباسي، بل في العصر الأموي قبل زوال الدولة الأموية بسبع سنين، و لعلّه كان كتاب عرض مفتاح النجوم للفلكي المصري هرمس.

و لشغف المنصور بعلم أحكام النجوم، أمر بنقل كتاب السدّ هانتا (السند هند) إلى اللغة العربية، و كان ذلك عام 154 هـ، الموافق لـ 771 م. 

كما أمر أيضًا بنقل كتاب المجسطي لبطليموس، و عمل في ذلك الخوارزمي و الفزاري و أبناء موسى بن شاكر المنجم. 

ثم قام إبراهيم بن حبيب الفزاري بتصنيف كتاب في الفلك على غرار كتاب السند هند، ٱتخذه العرب أصلاً في حركات الكواكب، و ٱستخراج منه زيجًا حوّل فيه سني الهنود النجومية إلى سنين عربية قمرية. 

و أطلق المسلمون على هذا الكتاب إسم السند هند الكبير و قام الخوارزمي باختصاره، و ظلّ المسلمون يعملون به إلى زمن المأمون.

لما توافرت المصنفات الفلكية، بدأ المسلمون يطوّرون ما وصل إليهم من هذا العلم، و ٱنتقل العلم من المجال النظري إلى المجال العلمي التطبيقي القائم على الرصد و المشاهدة.

و برغم أن التنجيم لم يَزُلْ نهائياً من قلوب الخاصة و العامة، إلا أن علم الهيئة ٱزدهر بسرعة لحاجة المسلمين إليه لمعرفة أوقات الصلوات و الأعياد و الصيّام و إتجاه القِبلة، و لعناية الخلفاء العباسيين الكبيرة به.

بالإضافة إلى كتابي السّند هند و المجسطي نقل العلماء على عهد المنصور كتاب الأربع مقالات في صناعة أحكام النجوم لبطليموس، و قام بهذا النقل أبو يحيى البطريق، و جاء من بعده عمر بن الفرخان (ت 200 هـ، الموافق لـ 815 م) صديق يحيى البرمكي فعلّق عليها، و نقلت في عهد المنصور كتب أخرى أرسل في طلبها من ملك الروم آنذاك. 

كما أمر يحيى البرمكي بنقل كتاب التصنيف العظيم في الحساب لبطليموس من السريانية إلى العربية.

لعل أوضح مثال على تغلغل التنجيم في نفوس الخاصة و العامة في بداية العصر العباسي ما حدث عندما فكر المنصور في بناء بغداد (145 هـ، الموافق لـ 762 م) إذ وضع أساسها في الوقت الذي حدده له المنجمان ما شاء الله اليهوديّ و نوبخت الفارسي. 

و تمّت هندستها بحضورهما و بحضور مشاهير المنجمين من أمثال الفزاري و الطبري، و يؤكد ذلك البيروني في الآثار الباقية.

و للعرب مؤلفات في التّنجيم سواء في المشرق أو المغرب، و من أبرز هؤلاء في الشرق أبو معشر الفلكي البلخي (ت 272 هـ، الموافق لـ 886 م). 

و كان يعمل في بدء حياته في علم الحساب و الهندسة، إلا أنه رأى أن ليس لديه الصبر و قوة التحمّل لصعوبتهما، فترك ذلك و ٱشتغل بأحكام النجوم، و له مؤلّفات كثيرة في علم الهيئة و التّنجيم أشهرها كتاب المُدخل الكبير، الزيج الكبير الزيج، الصغير.

و من الذين ألّفوا في التّنجيم من أهل المغرب إبن أبي الرجّال المغربي القيرواني (ت بعد سنة 432 هـ، الموافق لـ 1040 م) من فاس بالمغرب. 

كان يعيش في تونس حيث كان في خدمة شرف الدولة المُعِزّ بن باديس في القيروان، و لإبن أبي الرجّال عدة مؤلفات أهمّها كتاب البارع في أحكام النجوم و الطوالع، و كان أكثر كتب التّنجيم رواجًا في تلك الحقبة و تُرجم إلى اللّاتينية و طبع مرارًا، و كذلك إلى الأسبانية و البرتغالية ثم ترجم ثلاث مرات إلى العِبرية.

لما بالغ الناس في الإهتمام بأمر التّنجيم قام بعض العلماء و المفكرين المسلمين و العرب بمحاربته و دعوا إلى بطلان الإعتقاد به و بيان سخف المشتغلين به، و لم يقتصر الأمر على الشرق الإسلامي، بل عم كل أرجاء العالم الإسلامي و مثّل هذه الحملة الكندي، و الفارابي، و إبن سينا، و إبن حزم.

فالكِنْدي إنتقد أقوال المنجمين في تنبؤاتهم القائمة على حركات الكواكب. 

و لربما يكون إيمانه بعدم تأثير الكواكب في بني البشر ٱنعكاسًا لنظريّاته في النّفس الإنسانية و علم الفلك، و المطلع على رسائله في العلّة القريبة الفاعلة للكون و الفساد يستشف أنه كان بعيدًا عن التنجيم، و لا يؤمن بأن للكواكب صفات معينة من النّحس أو السّعد أو العناية بأمم معينة.

خالف الفارابي معاصريه عندما قال ببطلان صناعة التنجيم، و قد ٱستدل على ذلك بحجج و براهين عقلية تشوبها السّخرية، و كتب آراءه عن التّنجيم في رسالة بعنوان النكت فيما يصح وفيما لا يصح من أحكام النجوم، و بيّن في هذه الرسالة فساد أحكام علم النجوم الذي يعزو المنجمون كل كبيرة و صغيرة فيه إلى الكواكب و قراناتها، كما يوضح في رسالة أخرى الخطأ الكبير فيما يزعمه الزاعمون من أن بعض الكواكب يجلب السعادة و بعضها الآخر يجلب النحس. 

و يخلص الفارابي إلى أن هناك معرفة برهانية يقينية إلى إكمال درجات اليقين نجدها في علم النجوم التعليمي (علم الفلك). 

أما دراسة خصائص الأفلاك و فعلها في الأرض فلا نظفر منها إلا بمعرفة ظنّية، و دعاوي المنجمين و نبوءاتهم لا تستحق إلا الشّك و الإرتياب.

كان رأي إبن سينا فيما يقوله المنجمون هادئًا و منطقيًا، و قد ضمّن رأيه في بطلان دعاوي التّنجيم في رسالة عنوانها رسالة في إبطال أحكام النجوم، بيّن في هذه الرسالة كذب المشتغلين به إذ ليس لديهم من دليل أو قياس فيما يقولون من سعود الكواكب و نحوسها، فليس على شيء مما وصفوه دليل، و لا يشهد على صحته قياس. 

و قد أخذوه من غير برهان و لا قياس، و فنّد أقوالهم في أحكام النجوم و أثرها على الناس و بيّن فساد هذه الأحكام باللجوء إلى المنطق الذي ٱستعان به ليدلل على صحة ما ذهب إليه.

أما إبن حزم الظاهري فقد حارب الآراء و الأقوال التي تزعم تحكّم النجوم و الكواكب في حياة الناس، بقوله في الفصل في الملل و الأهواء و النحل .

زعم قوم أن الفلك و النجوم تعقل، و أنها ترى و تسمع، و هذه دعوى باطلة بلا برهان، و صحّة الحكم بأن النجوم لا تعقل أصلاً و أن حركتها أبدًا على رتبة واحدة لا تتبدل عنها، و هذه صفة الجماد الذي لا إختيار له. 

و ليس للنجوم تأثير في أعمالنا، و لا لها عقل تدبّرنا به إلا إذا كان المقصود أنها تدبّرنا طبيعيًا كتدبير الغذاء لنا، و كتدبير الماء و الهواء، و نحو أثرها في المد و الجزر… 

و كتأثير الشمس في عكس الحرّ و تصعيد الرّطوبات (التبخير)، و النجوم لا تدلل على الحوادث المقبلة.

منجزات فلكيّة

ٱستفاد العلماء العرب و المسلمون من المؤلفات الفلكية التي ترجموها من الأمم السابقة لهم و صحّحوا أو نقحوا بعضها، و زادوا عليها، و قد أدّت إنتقادات كبار العلماء، من أمثال إبن سينا و الفارابي و الكِنْدي و إبن حزم، إلى نبذ الإتجاه الخرافي الذي ساد وقتًا طويلاً، و من ثَمّ ٱنطلق العلماء إلى مرحلة التطوير فيما نقلوا ثم الإبداع الذي جاء من خلال التطبيق و عمليات الرّصد.

من أبرز إنجازات العرب و المسلمين في هذا العلم أنهم كانوا الأسبق في الحصول على طول درجة من خط نصف النهار بطريقة علمية، فقد توصلوا إلى طريقة مبتكرة لحساب ذلك مكنتهم من الحصول على نتائج دقيقة، يعدها العلماء الآن من أجل آثارهم في ميدان الفلكيات، و تمّ ذلك في عهد المأمون و بأمر منه. 

و قد ذكر ذلك ٱبن يونس في كتابه الزيج الكبير الحاكمي، و قام بهذا العمل فريقان ٱتجه أحدهما إلى منطقة بين واسط و تَدْمُر و قاسوا هنالك مقدار هذه الدرجة فكانت ¼ 56 من الأميال (الميل العربي أطول من الميل الروماني)، أما الفريق الآخر فٱتجه إلى صحراء سنجار و توصلوا إلى أن مقدار هذه الدرجة 57 ميلاً، لذا ٱتخذ المأمون متوسط القياسين فكان 2/3 56 من الأميال تقريبًا. 

و يعد هذا القياس قريبًا جدًا من القياس الذي توصل إليه العلماء في العصر الحديث و هو 5693 ميلاً، و هذا يعني أن محيط الأرض يبلغ 41,248 كم، أي نحو 20,400 ميل. 

أما الرقم الصحيح لمحيط الأرض كما حسب في العصر الحديث بالحواسيب و الأقمار الصناعية فهو 40,070 كم.

أما البيروني فقد إبتكر طريقة لقياس درجة من خط نصف النهار ذكرها في كتابه الأصطرلاب فوجدها 56,050 ميلاً، و لا تزال هذه الطريقة مستخدمة و تعرف عند الغرب و الشرق بقاعدة البيروني لحساب نصف قطر الأرض.

و من إنجازاتهم أنهم كانوا أول من عرف أصول الرسم على سطح الكرة، و قالوا بإستدارة الأرض و دورانها حول محورها، و قاموا بضبط حركة أوج الشمس و تداخل فلكها في أفلاك أخرى، كما حسبوا الحركة المتوسطة للشمس في السنة الفارسية، و عندما حسب البُتّاني ميل فلك البروج على فلك معدل النهار وجده 23° و 35 دقيقة، و كان أبرخس قد حسبه 23° و 51 دقيقة و هو متغير فقد كان في زمانه 23° و 34 دقيقة. 

و قد أكد العلم الحديث أنه قد أصاب في هذا الحساب إلى حد دقيقة واحدة، كما حقق البُتّاني مواقع كثير من النجوم فوجد أن بعضها لم يعد في المكان الذي كانت عليه على عهد بطليموس، كما صحح البُتّاني نفسه طول السنة الشمسية، فقد حددها بـ 365 يومًا و 05 ساعات و 46 دقيقة و 32 ثانية. 

وكان حساب بطليموس لها 365 يومًا و 05 ساعات و 55 دقيقة و 12 ثانية.

إنتقد الفلكيون العرب من أمثال إبن الأفلح و الأشبيلي كتاب بطليموس المجسطي في كتابيهما إصلاح المجسطي و الهيئة على التوالي، كما إكتشف العلماء المسلمون أنواع الخلل في حركة القمر. 

فقد ثبت لدى المؤرخين أن الخلل الثالث كان من إكتشاف أبي الوفاء البوزجاني و ليس تيخوبراهي، و أدّى هذا الإكتشاف إلى ٱتساع نطاق البحث في علمي الفلك و الميكانيكا. 

بحث علماء الفلك المسلمون و العرب في حساب إهليلجية الشمس أيضًا، و ٱستنتجوا أن بُعد الشمس عن مركز الأرض إذا كانت عند أقصى بُعد لها يساوي 1,146 مرة مثل نصف قطر الأرض، و إذا كانت عند أدنى بُعد لها يساوي 1,070 مرة مثل نصف قطر الأرض، و إذا كانت في متوسط بعدها يساوي 1,108 مرة مثل نصف قطر الأرض، و هذه التقديرات قريبة جدًا من النتائج التي خرج بها العلماء في العصر الحديث.

وضع الفلكيون العرب جداول دقيقة للنجوم الثوابت، و أول من قام بذلك عبد الرحمن الصّوفي، و صنّف في ذلك كتابًا بعنوان الكواكب الثابتة، أوضح فيه النجوم الثابتة لعام 299 هـ، الموافق لـ 911 م، و هذه الجداول مهمة حتى في العصر الحديث، لمن أراد البحث في تاريخ بعض الكواكب و مواقعها و حركاتها. 

و يمتاز هذا الكتاب برسومه الملونة للأبراج و بقية الصور السماوية، و قد رسم فيه أكثر من 1000 نجم و صورها على هيئة الأناسي و الحيوانات، فمنها ما هو بصورة رجُل في يده اليسرى سيف يشير بذبابته إلى رأس غول ناصيته في القبضة اليمنى للرجل، و منها ما هو بصورة كهل في يده اليسرى قضيب أو صولجان، على رأسه عمامة أو قلنسوة فوقها تاج. و منها ما هو على هيئة إمرأة جالسة على كرسي له قائمة كقائمة المنبر، و منها ما صُوّر على هيئة حيوانات كالدّب و الأسد أو ظبي أو تنّين و غير ذلك.

من إنجازات العرب في هذا الحقل أيضًا رصدهم للإعتدالين الربيعي و الخريفي، و كذلك الإنقلابين الصيفي و الشتوي.

و كتبوا عن كلف الشمس قبل غيرهم، و أول من قام بذلك إبن رشد595 هـ، الموافق لـ 1198 م)، كما توصل بالحساب الفلكي إلى وقت عبور عطارد على قرص الشمس، فرصده و شاهده بمثابة بقعة سوداء على قرصها في الوقت الذي تنبّأ به تمامًا، كما رصدوا الخسوف و الكسوف و حدّدوا مواقيت حدوثهما.
 
و ممّن قام بذلك إبن باجة الأندلسي ( 533 هـ، الموافق لـ 1138 م)، و كذلك القزويني الذي يقول في عجائب المخلوقات إذا صار القمر في مقابلة الشمس، كان النصف المواجه للشمس هو النصف المواجه لنا (أيضًا) فنراه بدرًا، حتى إذا صار القمر في مقابلة الشمس تمامًا و ٱستحال علينا أن نرى شيئًا من جانبه المضيء ٱمْحَقّ نوره، فرأيناه نحن مظلمًا كما تحدث الفلكيون كثيرًا عن أثر القمر في ظاهرة المدّ و الجزر في البحار و الأنهار.

إنجاز إبن الهيثم في علم الفلك

هناك إنجازان عظيمان في علم الفلك يُنسَبان لإبن الهيثم .

الإنجاز الأول

هناك حالتان ضمن الإنجاز الأول في علم الفلك المنسوب لإبن الهيثم سنتحدث عنهما بشكل مفصّل.

 الحالة الأولى

تحدث عنه في رسالة بعنوان رسالة ٱرتفاع القطب يستنتج فيها أن ٱرتفاع القطب يساوي عرض المكان، و هو إنجاز ذو أهمية بالغة في أعمال المساحة و الأعمال المشابهة لها، و عمله يتلخص في رصد الزمن الذي يستغرقه الكوكب للوصول من ٱرتفاع شرقي قريب من خط نصف النهار إلى ٱرتفاع متساوٍ له في الغرب و معرفة قيمة هذا الإرتفاع الشرقي أو الغربي، و ٱرتفاع الكوكب عند مروره بخط نصف النهار، و يوضح إبن الهيثم طريقة عمل ذلك مبينًا القانون الخاص بعلاقة الإرتفاعات المذكورة و الزمن الذي يستغرقه الكوكب في الحالة الأولى التي يمر فيها بسمت الرأس، أو يكون عند عبوره قريبًا منها. 

الحالة الثانية

عندما يكون عبوره على نقطة من خط نصف النهار تختلف عن سمت الرأس، و يدلل إبن الهيثم على كيفية الحصول على هذه العلاقات بالبرهان الهندسي الدقيق، و يبيّن أن تأثير الإنعطاف في أرصاد الكواكب عند قربها من سمت الرأس يكاد يكون معدومًا، لذا فالأخطاء الناشئة من يقين الإرتفاع بوساطة الأجهزة تخلو من هذا العامل كما تخلو أيضًا من عامل زاوية إختلاف القُطر لأن بُعد الكواكب عن الأرض نسبة إلى نصف قطر الأرض كبير جدًا.

الإنجاز الثاني

 لا يزال العلم الحديث يأخذ به أيضًا و هو أن ظاهرة إدراك الكواكب عند الأفق أعظم منها في وسط السماء فيقول إن كل كوكب إذا كان على سمت الرأس، فإن البصر يدرك مقداره أصغر، و كلّما كان أبعد عن سمت الرأس كان ما يدركه البصر من مقداره أعظم من مقداره الذي يدركه و هو أقرب إلى سمت الرأس.

و من إنجازات الفلكيين المسلمين أيضًا إصلاح التقاويم الخاطئة، و يتمثل ذلك في عمل عمر الخيام الذي قام به سنة 467 هـ، الموافق لـ 1074 م، عندما دُعي لإصلاح التقويم الفارسي في مرصد الري، فكانت السنة الفارسية تتألف من 12 شهرًا يحتوي كل منها على 30 يومًا، ثم تجيء خمسة أيام بيض يتخذونها عيدًا لإتمام السنة 365 يومًا. 

و قام الخيّام بتعديل هذا التقويم بزيادة 15 يومًا في كل 62 سنة فبقي خطأ مقداره يوم واحد يتكرّر مرة واحدة كل 3,770 سنة، كما صحّح أبو علي المرّاكشي خريطة المغرب الفلكية، و كان أول من أستعمل خطوط الطول التي تدل على الساعات المتساوية على الخريطة، و لم تكن موجودة عند من سبقه من العلماء سواء في بلاد اليونان أو في العالم الإسلامي. 

و ألّف كتابًا في الفلك جمع فيه كثيرًا من المعارف المتعلقة بالفلك و آلات الرّصد و تضمن جدولاً يضم 240 نجمًا رصدها في سنة 622 هـ، الموافق لـ 1225 م.

أنظر أيضا : خطوط الطول، دوائر العرض، خط الزوال .

و من إنجازات العلماء العرب في الفلك صنع الكرات التي بيّنوا عليها السماء و كواكبها و نجومها، و كان أول من صنع كرة سماوية من هذا القبيل إبراهيم السهلي عام 473 هـ، الموافق لـ 1080 م، و هو أحد علماء بلنسية في الأندلس.

كما أن الزرقالي ( 493 هـ، الموافق لـ 1099 م) وضع ما ٱشتهر في تاريخ هذا العلم باللّوائح الطلَيْطلِية التي تُرجمت إلى اللّاتينية و نُشِرت بعنوان اللّوائح الألفونسية نسبة إلى الملك ألفونسو العاشر الذي أمر بترجمة جميع آثار الزرقالي إلى اللغة القشتالية، و من بينها زيج الزرقالي الذي ٱعتمد عليه فيما بعد علماء الفلك في أوروبا. 

و إلى الزرقالي تُنْسب أدق درجة عرفت في عصره لحركة أوج الشمس بالنسبة إلى النجوم، و قد بلغ مقدارها عنده 12,04 دقيقة بينما مقدارها حالياً 12,08 دقيقة.

علم الأزياج

الأزياج جداول حسابية تبين مواقع النجوم و الكواكب، مع حسبان حركاتها في كل زمن و وقت، و علم الأزياج فرع من فروع علم الفلك عرّفه إبن خلدون في المقدمة بأنّه صناعة حسابية على قوانين عددية فيما يخص كل كوكب من طريق حركته، و ما أدّى إليه برهان الهيئة في وضعه من سرعة و بطء، و ٱستقامة و رجوع، و غير ذلك، يعرف به مواضع الكواكب في أفلاكها لأي وقت فرض من قبل حسبان حركاتها على تلك القوانين المستخرجة من كتب الهيئة، و لهذه الصناعة قوانين في معرفة الشهور و الأيام و التواريخ الماضية، و أصول متقرّرة في معرفة الأوج و الحضيض و الميول و أصناف الحركات، و ٱستخراج بعضها من بعض، يضعونها في جداول مرتبة تسهيلاً على المتعلمين و تسمى الأزياج. 

و يُسمى ٱستخراج مواضع الكواكب للوقت المفروض لهذه الصناعة تعديلاً و تقويمًا.

ٱستفاد الفلكيون في علم الأزياج من الهنود و من الفرس، و كلمة زَيْج نفسها أصلها فارسي أخذت من زيك التي تعني خيوط النسيج الطولية. 

برع كثير من العلماء العرب في وضع هذه الجداول الفلكية و تركوا آثارًا قيمة في هذا المجال، و من أوائل من قام بذلك إبراهيم بن حبيب الفزاري (154هـ، الموافق لـ 771م)، و الذين قاموا بعمل أزياج المأمون مثل سند بن علي، و المروزي، و الإسطرلابي. 

من أشهر أزياج المروزي ذلك الذي ألّفه على مذهب السند هند، و قد خالف في كثير منه الفزاري و الخوارزمي، أما عمله الثاني في الأزياج فهو زيج الممتحن، و هو أشهر أعماله في علم الأزياج. 

أشار إليه البيروني و أثنى عليه في كتابه الآثار الباقية، و قد ألّفه بعد رحلته التي طلب إليه المأمون فيها قياس محيط الأرض، و ضمنه حركات الكواكب على ما يوجبه الإمتحان في زمانه، و ثالث أزياج المروزي الزيج الصغير، كما أن له زيجين آخرين أقل شهرة هما الزيج الدمشقي، و الزيج المأموني.

و لعل أشهر الأزياج قاطبة الزيج الصابي الذي وضعه البُتّاني (بطليموس العرب) (317هـ، الموافق لـ 929م)، و كان أنبغ علماء عصره في الفلك و الرياضيات. 

و يعد ّ البُتّاني من مشاهير علماء الفلك على نطاق العالم، و هو الذي بيّن حركة نقطة الذنب للأرض و أصلح قيمة الإعتدالين الصيفي و الشتوي، و قيمة فلك البروج على فلك معدل النهار، و له مآثر جليلة في رصد الكسوف و الخسوف ٱعتمد عليها الفلكيون في أوروبا في تحديد حركة القمر حول الأرض، و قد أصلح زيج بطليموس و لم يكن مضبوطًا. 

و قام بتأليف الزيج الصابي (299هـ، الموافق لـ 911م)، و يحتوي على جداول تتعلق بحركات الأجرام التي هي من ٱكتشافاته الخاصة، و تعدّت آثار هذا الزيج العالم الإسلامي إلى التأثير في علم الفلك و علم المثلثات الكُرّي عامة في أوروبا في العصور الوسطى و أوائل عصر النهضة، و قد ترجم هذا الزيج إلى اللّاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي و طُبع في نورمبرج عام 944 هـ، الموافق لـ 1537 م. 

كما ترجم من العربية إلى الأسبانية بأمر من ألفونسو العاشر ملك قشتالة، و ٱعتمد البُتّاني في هذا الزيج على عمليات الأرصاد التي قام بها بنفسه في كل من الرقة و أنطاكية و على كتاب زيج الممتحن للمروزي.

يعد نصير الدين الطوسي ( 672 هـ، الموافق لـ 1274 م) من أشهر من ألّفوا في علم الأزياج، و قد كان يُلقّب بالعلّامة، و هو أحد الفلكيين و الرياضيين العظام، و قد قام ببناء مرصد المراغة عام 657 هـ، الموافق لـ 1259 م، و أنشأ فيه مكتبة ضخمة حَوَت 400,000 مجلد من المخطوطات معظمها نهب في عهد صديقه هولاكو من بغداد و الشّام و الجزيرة، و له مؤلفات كثيرة في الفلك منها كتاب ظاهرات الفلك، التذكرة في علم الهيئة، كتاب جرمي الشمس و القمر، زيج الشاهي الذي ٱختصره ٱبن اللّبودي و سمّاه الزّاهي. 

كما وضع أيضًا زيج الإيلخاني بالفارسية الذي ٱحتوى على أربع مقالات :

  • الأولى: في التواريخ.
  • الثانية: في سير الكواكب و مواضعها طولاً و عرضًا.
  • الثالثة: في أوقات المطالع.
  • الرابعة: في أعمال النجوم. 

و قام حسين بن أحمد النَيْسابوري بشرح هذا الزيج، ثم قام الكاشاني من بعده بإضافة ما ٱستدركه على الطوسي و ما ٱستنبطه من أعمال المنجمين و سماه الزيج الخاقاني. 

و إنتقد في كتابه التذكرة في علم الهيئة كتاب المجسطي لبطليموس، و ٱقترح فيه نظامًا جديدًا للكون أكثر يسرًا من ذلك الذي وضعه بطليموس، و كان ٱنتقاده للمجسطي خطوة تمهيدية للإصلاحات التي قام بها كوبرنيكوس فيما بعد.

يعد زيج الملكشاهي من أشهر الأزياج التي وضعت خلال نهاية القرن الخامس الهجري، و قد وضع هذا الزيج عمر الخيام، و هو من أنبغ من ٱشتغل بالفلك و الرياضيات و لا سيما الجبر، إلا أن شهرته في الشعر و الفلسفة طغت على نبوغه العلمي.

و قد أنجز أفضل أعماله بعد أن ٱعتزل العمل في صناعة الخيام، و ٱنقطع للتأليف في عهد السلطان ملكشاه، و قد طلب منه ملكشاه عام 467 هـ، الموافق لـ 1074 م، مساعدته في تعديل التقويم السنوي، فٱستطاع أن يقوم بهذا التعديل الذي صار أدق من التقويم الجريجوري. 

أما أشهر الأزياج في أقصى الشرق الإسلامي فهو الزيج السلطاني الجديد، و قد وضعه أولغ بك حوالي منتصف القرن التاسع الهجري، بناء على عمله في مرصد سمرقند الذي رأسه الكاشي، و يتألف هذا الزيج من أربع مقالات: 

المقالة الأولى

في حساب التوقيعات على ٱختلافها و التواريخ الزمنية، و هي مقدمة و خمسة أبواب، أبان في المقدمة هدفه من وضع هذا الزيج و أثنى على العلماء الذين عاونوه في ذلك العمل.

 المقالة الثانية

في معرفة الأوقات و المطالع لكل وقت و تحتوي على 24 بابًا.

المقالة الثالثة

في معرفة مسير الكواكب و مواضعها و تقع في ثلاثة عشر بابًا.

المقالة الرابعة

فقد أوضح فيها مواقع النجوم الثابتة، و كان هذا الزيج دقيقًا للغاية، و قد شرحه كل من ميرم جلبي و علي القوشجي، و قام بإختصاره محمد بن أبي الفتح الصوفيّ المصري و طبع في لندن عام 1060 هـ، الموافق لـ 1650 م، و ترجمت جداوله إلى الفرنسية عام 1264 هـ، الموافق لـ 1847 م، و ظلّ الناس يعملون بهذا الزيج قرونًا عديدة في الشرق و الغرب.

وضع غياث الدين الكاشي زيجًا نحو عام 815 هـ، الموافق لـ  1412 م، و هو الذي رصد الكسوفات الثلاثة التي حدثت في الفترة من 809 -811 هـ، الموافق لـ 1406- 1408 م، و له في ذلك مؤلفات بالعربية و الفارسية، من ذلك زيج الخاقاني. 

و كان قصده من وضع هذا الزيج تصحيح زيج الإيلخاني للطوسي، و دقّق في جداول النّجوم التي وضعها الفلكيون في مرصد مراغة تحت إشراف الطوسي، و أضاف إلى هذا التدقيق البراهين الرياضية و الفلكية التي سبق فيها معاصريه من الفلكيين، ثم أهدى هذا العمل أولغ بك.

و قد صنّف الكثير من الكتب في علم الهيئة باللّغتين العربية و الفارسية من ذلك نزهة الحدائق و قد شرح فيه كيفية إستخدام بعض آلات الرصد التي صنعها بنفسه لمرصد سمرقند، و تمكن بوساطتها من الحصول على تقويم الكواكب و بُعدها و حساب خسوف الشمس و كسوف القمر، كما ألّف أيضًا رسالة سلم السماء، و زيج التسهيلات.

جدول أسماء الأزياج

جدول أسماء المصطلح أو النجم


أنظر أيضا : الشمس ، الجاذبية.

MADOX24

مبرمج في الإعلام الآلي و مطوّر تطبيقات، ناشر و مدوّن مقالات.

1 تعليقات

للمزيد من المعلومات حول المُدوَّنة أو المواضيع المنشورة، أو أي إستفسار يرجى الإتصال بنا على مواقع التواصل الإجتماعي، أو عن طريق البريد الإلكتروني على العنوان التالي :

[email protected]

  1. الحمد لله على نعمة الإسلام رضيت بالله ربا و بالإسلام دينا و بمحمد صل الله عليه وسلم نبيا

    ردحذف
أحدث أقدم

متابعينا على بلوجر

تابعنا على بلوجر ليصلك جديدنا

 

نموذج الاتصال