التّقنية مصطلح يشير إلى كل الطرق التي يستخدمها الناس في إختراعاتهم و إكتشافاتهم لتلبية حاجاتهم و إشباع رغباتهم.
و يسميه بعضهم التكنولوجيا، و كان لزامًا على بني البشر منذ أزمان بعيدة جدًا أن يكدحوا ليحصلوا على المأكل و الملبس و المأوى، كما كان لزامًا عليهم أن يعملوا أيضًا لتلبية رغباتهم في التنعّم بأوقات الفراغ و الخلود إلى الراحة، و لقد قام الناس عبر العصور بإختراع الأدوات و الآلات و المواد، و الأساليب لكي يجعلوا العمل أكثر يُسرًا، كما إكتشفوا أيضًا الطاقة المائية و الكهرباء و غير ذلك من مصادر الطاقة التي زادت من معدّل العمل الذي يقومون بإنجازه، و على هذا فإن التقنية تشمل فيما تعني إستخدام الأدوات و الآلات و المواد و الأساليب و مصادر الطاقة لكي تجعل العمل ميسورًا و أكثر إنتاجيّة.
و تعتمد الإتصالات الحديثة، و معالجة البيانات على هذه التقنية، و خاصة تقنية الإلكترونيات.
يُطلِقُ كثيرُُ من الناس على العصر الذي نعيش فيه الآن عصر التقنية، إلّا أن الناس كانوا و ما يزالون يعيشون في عصر تقنيّ من نوعٍ ما، فقد كان ينبغي عليهم دائمًا أن يعملوا ليحصلوا على مُعظم ضروريات الحياة، و على الكثير من مباهجها.
و بناء على هذا، فالتقنية تشمل إستخدام كل من الأدوات البدائية و الفائقة التقدم و أيضًا أساليب العمل القديمة و الحديثة، و لكن عندما يتحدّث الناس هذه الأيام عن التّقنية فإنهم، بوجه عام، يَعنون التقنية الصناعية، أي التقنية التي ساعدت في إيجاد مُجتمعنا الحديث.
بدأت التقنية الصناعية منذ نحو 200 سنة، وذلك مع تطور المحرّك البخاري و الآلات التي تُدار بالطاقة و نمو المصانع و إنتاج السلع بكمياتٍ كبيرة، و قد أثّر تقدم التقنية على جوانب عديدة من حياة الناس، و على سبيل المثال، نجد أن تطور صناعة السيارات قد أثّر على الناس بصورة كبيرة، و كان التأثير أوضح ما يكون على أولئك الذين يعملون في المصانع و الذين يعيشون بالقرب منها، و لقد تدخلت هذه الصناعة كثيرًا في حياتهم و حدّدت لهم كيفية قضاء وقت الفراغ و الإستماع به.
كما غيّر المذياع و التلفاز من عادات الناس و أساليب حياتهم و حتى طرق التعامل بينهم، و كان إكتشاف الهاتف ثورة كبيرة في وسائل الإتّصالات.
و في الوقت الراهن، تساعد التقنية الصناعية الناس كثيرًا في تحقيق أهدافهم و ما تصبو إليه نفوسهم، و ما كان في الماضي يدخل ضمن الخيال أو الأشياء المستحيلة التحقيق منذ 100 سنة مضت أصبح الآن حقيقةً واقعة، و قد يَسّرت التقنية للإنسان وسائل التغلّب على الجوع و يَسّرت له علاج كثير من الأمراض أو الوقاية من العديد منها، كما مكّنت الإنسان من نقل البضائع و الرُكّاب بسرعة و يُسْر إلى أي مكان على الكرة الأرضية، و مكّنت التقنية الإنسان من الخروج من الكرة الأرضية و التجول في الفضاء الخارجي و أن يطأ بقدمه سطح القمر.
أسهمت العلوم كثيرًا في التّقنية الحديثة، و لكن لا تقوم كل أوجه التّقنية على العلوم، و ليست كل العلوم ضرورية لجميع التّقنيات، و لكن العلوم تحاول شرح كيفية حدوث الأشياء و لماذا تحدث.
و على سبيل المثال، فلقد بدأ الإنسان منذ قرون عديدة في صُنع أشياء و أجسام مُختلفة من الحديد قبل أن يعرف التغيرات التي تحدث في التركيب البنائي للمادة الفِلِزّية أثناء التصنيع، و على العكس من ذلك، يعتمد عدد من التقنيات الحديثة بصورةٍ كبيرة على العلوم، و من أمثلة ذلك إنتاج الطاقة النوويّة، و السفر إلى الفضاء الخارجي.
تُستخدم كلمة تقنية أحيانًا لوصف إستخدام معين للتّقنية الصناعية كالتّقنية الطِبّية أو التقنية العسكرية.
وتهدف كل واحدة من التقنيات المتخصصة إلى أهداف محددة و تطبيقات بعينها، كما أن لها أدواتها و وسائلها لتحقيق هذه الأهداف، و تُعَدُّ مهنة الهندسة مسؤولة عن الكثير من التقنيات الصناعية الحديثة.
تُمكن التقنية الصناعية الناس من العيش بأمان و راحة بشكلٍ أفضل بكثير من أي وقت مضى، و لكن للأسف فإن عددًا قليلاً من سكان العالم يتمتعون بالتقنية و يستأثرون بجميع مزاياها.
و من مساوئ التقنية العصرية أيضًا ما يُصاحبها من بعض الآثار الجانبية غير المرغوب فيها، التي إنتشرت بصورة كبيرة في الدول الصناعية المتقدمة، و من أمثلة هذه المساوئ تلوّث الماء و الهواء، كما أسهم التطور التقني في إنتاج كميات أكبر من الأسلحة الأشد فتكًا و دمارًا، و هكذا أضافت التقنية الكثير من الخراب و الدّمار الناتج عن الحروب.
تتناول هذه المقالةُ فوائد التّقنية بالإضافة إلى آثارها السيئة، و الجوانب غير المرغوب فيها، كما أنها تناقش الصعوبات التي تُواجه البشريّة في محاولتها التغلّب على الآثار السيئة للتقنية، و كيفية التخلّص منها، و لقد سار تطور التقنية جنبًا الى جنب مع تاريخ كل من المخترعات و الإكتشافات.
فوائد التقنية
خط التجميع طريقة تقنية مهمة في الإنتاج تزيد من إنتاجية العامل، و زيادة الإنتاجية تعني توافر كميات كبيرة من البضائع لمزيد من الناس.
ساعدت التقنية الناس في التغلّب على الطبيعة، و من ثم توفير أسلوب متحضر للحياة، و لم يكن لدى الإنسان الأول إلا أقل القليل من وسائل التحكم في الطبيعة و طرق التعامل معها، و كل ما توافر للإنسان في العصور القديمة هو أدوات بدائية متواضعة فقط، و كان الإنسان الأول يجهل كيفية تربية الحيوانات و لا يعرف أي أسلوب للزراعة، و لهذا فقد كان مضطرا للبحث عن الحيوانات و النباتات البرية لتوفير ما يحتاج إليه من غذاء و للحصول على قوته.
كما أن الإنسان ـ في بداية عهده على الأرض لم يكن يعرف المنزل الدائم، و كانت جلود الحيوانات هي الوسيلة الوحيدة المتوافرة له للوقاية من البرد، و مثّلت الشمس المصدر الوحيد للضوء، و بمرور الوقت، إكتشف الإنسان كيف يوقد النار، و يُعَدُّ ذلك من الإكتشافات العظيمة وقتذاك، فقد ساعد هذا الإكتشاف الإنسان على التحكم بصورةٍ أفضل في الظروف المحيطة به، و تَمكّن الناس عندئذ من نقل الحرارة و الضوء معهم إلى أي مكان يذهبون إليه، ثم تعلم الإنسان بعد ذلك كيف يستأنس الحيوانات و يُرَبّيها و يَرعاها، كما تعرَّف أيضًا على أساليب إنتاج المحاصيل الزراعية.
و قد أدّى تطور الزراعة و إنتاج المحاصيل الزراعية المتنوعة إلى إستقرار الإنسان في مواقع معينة، و من ثَمَّ بناء المجتمعات البشريّة و المساكن المستقرة، و كان ذلك بداية إستقرار النّاس في تجمّعات سكنية، و عندما توافرت المحاصيل الزراعية و نجح الناس في تربية الحيوانات، لم تعد هُناك حاجة لقضاء وقت طويل في السعي وراء مصادر الغذاء، مما أعطى الناس الحرية و الوقت للقيام بأعمال أخرى بجانب إنتاج الغذاء، و نتيجة للإستقرار و نُمُوّ الزراعة، ظهرت الحاجة إلى تنظيم حياة الناس و تنظيم الزراعة، و هكذا ظهرت طبقات رجال الدّين و الحُكّام و الصُنّاع الحِرَفِيّين و التُجّار، و ساعد تقسيم العَمالَة بالصورة المذكورة في ظهور الحضارة.
أفادت التّقنية الناس خلال العصور المُتَتالية، و من خلال طُرُق مختلفة تَمثّلَت في:
- أولا: زيادة إنتاجية السلع و توفير الخدمات.
- ثانياً: تقليل كمية العمالة اللّازمة و الحدّ من الأعمال الشّاقة المطلوبة لإنتاج السّلع و توفير الخدمات.
- ثالثًا: تيسير سُبل الحياة و سهولة الأعمال.
- رابعًا: رفع مستوى المعيشة بصورة كبيرة.
زيادة الإنتاج
لقد حقق النّاس من خلال الأساليب التقنية، زيادة كبيرة جدًا في إنتاج السلع و توفير الخدمات، و على سبيل المثال، كان الإنسان و الحيوان، في منتصف القرن التاسع عشر، يُمثّلان المصدر الأساسي للطاقة في المزارع، حيث كان المزارعون يعملون من بزوغ الشمس إلى غروبها.
و على الرغم من الجهد الضخم و العمل الشّاق الذي كان يبذله العاملون، إلا أن إنتاج مُزارع واحد كان لا يكفي إلا لإطعام أربعة أشخاص فقط، و على النّقيض من ذلك، أدى تحول الدول الصناعية إلى إستخدام الجرّارات الزراعية، و آلات أخرى تعمل بالنفط أو الطاقة الكهربائية في المزارع، في بداية القرن العشرين، إلى زيادة الإنتاج الزراعي زيادة كبيرة.
و في الوقت الرّاهن، تقوم الآلات بمعظم أعمال المزارعين في الدول الصناعية، و لقد صاحب إستخدام الآلات الزراعية و إستخدام الأسمدة و أساليب التّقنية الزراعية المتقدّمة زيادة ضخمة في الإنتاج، إلى درجة أن إنتاج مُزارع واحد في الوقت الحاضر يكفي لغذاء نحو مائة شخص، و قد حدثت تطورات مماثلة في قطاعي التصنيع و التعدين و الصناعات الأخرى، فقد أصبح إنتاج معظم العمال حاليًا يفوق ما كان ينتجه العمال قبل مائة سنة أضعافًا مضاعفة.
تخفيض العَمالَة
أدّى إستخدام الآلات التي تُدار بالطاقة إلى زيادة كبيرة في الإنتاج، إلا أنها أدت أيضًا إلى الحدّ من عدد العمال اللّازمين لإنتاج السلع و توفير الخدمات، و لهذا زادت الإنتاجية، و سمحت زيادة الإنتاجية بتمتع العمال بأوقات فراغ أكبر، و على سبيل المثال،كانت مُعظم أعمال المصانع في بداية القرن التاسع عشر، تُنْجَز بأسلوب يدويّ أو بآلات يدوية، و كانت ساعات العمل في المصانع تتراوح بين 12 و 16 ساعة يوميًا لمدة ستة أيام أسبوعيًا، و لم يكن في مَيْسور عدد كبير من الناس التَمتّع بالإجازات.
أما اليوم، فقد حلّت الآلات التي تعمل بالطاقة محل العمل اليدوي ـ إلى حد كبير ـ في المصانع، كما أن كثيرًا من المصانع تستخدم أساليب إنتاج الجُمْلة، أي الإنتاج على نطاق واسع.
و نتيجة لذلك، إنخفضت أعداد العمال الذين يعملون في إنتاج السلع المصنوعة ٱنخفاضًا حادًا، و حاليًا يعمل المستخدمون في المصانع في كثير من البلدان ثماني ساعات فقط في اليوم و لمدة خمسة أيام في الأسبوع، كما يتقاضون أجرًا مدفوعًا عن العطلات.
سهولة العمل
لقد يَسّرت التقنية إلى حدّ بعيد ظروف إنتاج كميات أكبر من السّلع، و وفّرت كثيرًا من الخدمات في ظروف عمل أيسر و أسهل بكثير مقارنة بالماضي، و مع يُسر العمل و سهولته، فقد أصبح أيضًا أكثر أمنًا و أقل خطرًا، و من الأمثلة على ذلك تعدين الفحم الحجري.
ففي بداية القرن العشرين، كان عُمّال مناجم الفحم يكدحون طوال اليوم مستخدمين مُعدات متواضعة بدائية تمثلت في المُعُول و المجاريف، و لم يكن الإنتاج يزيد على عدة أطنان من الفحم في الدقيقة الواحدة.
مستويات المعيشة المرتفعة
نتجت هذه المستويات عن الزيادة الكبيرة في إنتاج السلع، و زيادة الخدمات و توافرها، و تُنتِج الدول الصناعية سلعًا كثيرة، و توفر الخدمات بصورةٍ أفضل بكثير مُقارنة بما تنتجه الدول النامية غير الصناعية، و هكذا وَفّرت الدول الصناعية المتقدمة لمواطنيها مستويات معيشة أفضل بكثير من الدول غير الصناعية، و يتغذّى مواطنو الدول الصناعية بأسلوب أفضل، و تتوافر التّغذية بصورة متكاملة، كما أنهم يلبسون بصورة أفضل، و مساكنهم مُزَوّدة بوسائل الخدمات كافّة، و يتمتّع الإنسان في هذه البلدان بحياة صحية خالية من الأمراض، و هم أكثر رفاهية من أي أُناسٍ آخرين وُجدوا عبر التاريخ.
و فوق ذلك، فهناك زعم بأن التقنية قد زادت من العمر المتوقع للإنسان، و بتوفير الخدمات الطبية، أمكن القضاء على الأوبئة التي كانت تجتاح العالم مراتٍ عديدة، و تحصد الكثير من الأنفس في كثير من دول العالم، و لقد تدنّى، بدرجة كبيرة، عدد الوفيات بين الأطفال الرُضّع (بإذن الله تعالى) ثم بفضل العناية الصحّية المتوافرة و ٱتّباع أساليب التغذية الصحيحة، و في أوائل القرن العشرين، لم يتجاوز عمر كثير من الناس على خمسين عامًا، بينما ٱرتفع متوسط العمر الآن إلى أكثر من خمسة و سبعين عامًا.
الآثار الجانبية للتِقنيّة
أفاد التقدم التّقني الناس بطرق مختلفة و في مجالات عديدة، و لكن على الرغم من المحاسن الكثيرة التي سبق ذكرها، إلا أن الأمر لا يخلو من المشكلات، و بعض الآثار الجانبية السيئة للتقنية حادة و خطيرة، و مِمّا ساعد على ظهور هذه المشكلات و تفاقم آثارها أن تطبيقات التقنية و إستخدامها قد تَمّ دون ٱعتبار للآثار الضّارة أو الأخذ في الإعتبار ما يمكن أن يَنتُج عنها، فعلى سبيل المثال، رَحّب كثير من الناس في أواخر التسعينيات من القرن التاسع عشر، و بداية القرن العشرين بتطوير صناعة السيارات، و كان الإعتقاد السائد أن السيارات ستكون أقل ضجيجًا، و لن تنبعث منها الروائح الكريهة كما كان يحدث مع الخيول التي تجرُّ العربات، و لكن مع التوسع الكبير في عدد السيارات و زيادة المنتج منها، و التوسّع في إستخدامها و زيادة أعدادها على الطرق زيادة كبيرة.
ٱتّضح أن الضوضاء الناتجة عن هدير السيارات أكثر إزعاجًا و مضايقة من تلك التي كانت تحدثها حوافرُ الخيول، كما ثبت أن الأبخرة و غازات العادم التي تنبعث من السيارات أسوأ بكثير من رائحة مخلّفات الخيول، و لقد لوَّثت عوادم السيارات المحتوية على غاز أول أكسيد الكربون الضار بالصحة، و الشّوائب الأخرى، البيئة، و هي بذلك تُهَدّد حياة الإنسان، و ينتج عن زيادة عدد السيارات الإختناقات المرورية التي تؤدي أحيانًا إلى توقف المرور تمامًا و تَحُدّ من إنسياب حركة السيارات في بعض الأحيان، و هكذا يُسْتَنفدُ الوقت وَ يُهدر بصورة أسوأ بكثير من السّفر على ظهور الخيل، كما أن زيادة إنتاج السيارات بصفة مستمرة في دول عديدة في العالم يستهلك كمية كبيرة و عالية جدًا من المنتجات الحديدية و عددًا آخر من المواد الأولية الأخرى، و هذا يعني ٱستنزاف مصادر الثروة الطبيعية.
ستتم في هذا الجزء مناقشة أربعة من آثار التقدم التقني السيئة، و كذلك الآثار الضارة الناتجة عن التقنية على حياة الإنسان، و هي:
- تلوث البيئة.
- ٱستنزاف المصادر الطبيعية و نقصها.
- البطالة الناتجة عن التقنية.
- إيجاد وظائف غير مُرْضية.
تلوّث البيئة
يُعد تلوث البيئة من أخطر الآثار الجانبية الناتجة عن التقنية الصناعية، و تواجه معظم الدول الصناعية في العالم في الوقت الحالي تلوث الهواء و الماء و التربة إضافة إلى الضوضاء، و تسبب محرِّكات المركبات معظم تلوث الهواء، و كذلك التلّوث الضوضائي في معظم أنحاء العالم، و يوجد العديد من المنتجات الأخرى بالإضافة إلى كثير من عمليات التقنية التي تؤدي إلى تلوث البيئة، فعلى سبيل المثال، يسبب عدد من المبيدات الحشرية تلوث التربة و الماء، كما أن بعضها يضر بالحيوان و النبات، و يُسهم دخّان المصانع و مخلّفاتها كثيرًا في تلويث الهواء و الماء أيضًا.
و تسهم محطّات الطاقة التي أُقيمت في كثير من دول العالم لتوليد الكهرباء، سواءً تلك التي تعمل بحرق الفحم أو بالنفط أو بأي وقود آخر، في تلويث البيئة من خلال تصاعد نواتج إحتراق الوقود الذي يبلغ ملايين الأطنان من المُلَوّثات إلى الهواء سنويًا، و تغير المخلّفات الصناعية و مناجم التعدين المكشوف و عمليات ٱستخراج النفط و إنشاء الطرق السريعة كثيرًا من طبيعة البيئة و ٱتزان عناصرها.
ٱستنزاف الموارد الطبيعية
يُهدد التقدم التّقني السريع المطرد بإستنزاف مصادر الثروة الطبيعية، فعلى سبيل المثال، أدّى إستخدام الدول الصناعية للآلات العاملة بالطاقة الكهربائية إلى زيادة إنتاجية المصانع زيادة كبيرة، إلا أننا نجدُ في الوقت نفسه أنها قد خَفّضت من مخزون النفط، و أنواع الوقود الأخرى التي تُستخدم في إنتاج الطاقة الكهربائية، و لا يمكن تعويض هذا الوقود بعد إستخدامه و إستهلاكه.
و هكذا، كُلّما زاد إنتاج الطاقة، قلَّ مخزونُ الوقود، و لقد زاد إنتاج الطاقة خلال الخمسينيات و الستّينيات من القرن العشرين إلى درجة بدأت فيها بعض الدول تُعاني من عجزٍ في الوقود و الطاقة خلال السبعينيات من القرن نفسه.
البَطالة الناتجة عن التقنية
نوع من حالات الإستغناء عن العُمّال ينتج عن تطورات التقنية و تقدمها، و تحدث أشهر أنواع هذه البطالة عندما تحلُّ الآلات محل العمال في أداء العمل، و منذ نهاية منتصف القرن العشرين، قام كثير من المصانع و المكاتب بإحلال المَيْكنة (إستخدام الآلات) محل العمال، و هكذا قامت الآلات بالأعمال التي كان يقوم بها العمال في السابق، و أدى إستخدام الآلات الذي أُطلق عليه مصطلح الأوتوماتية إلى إرتفاع كبير في نسبة البطالة، حيث تم الإستغناء عن أعداد كبيرة من العمال و الموظفين.
و للأسف، لم يكن في حُسبان الخبراء أو تصورهم عند تطبيق الأساليب التقنية أن ترتفع نسبةُ البطالة بالدّرجة التي وصلت إليها، و من جهة أخرى، ساعدت الأوتوماتية في التوسّع في عدد من الصناعات، و صاحب هذا التوسع توافر فرص عمل ٱستوعبت عدداً من الذين فقدوا و ظائفهم، و لكن على الرّغم من ذلك، ما زالت البطالة الناتجة عن التقنية تُهدد العمال في كثير من الصناعات.
إيجاد وظائف غير مُرْضية
فشلت بعض الأعمال التي أفرزتها التقنية الصناعية في منح العمال الشعور بالرضا أو تحقيق الذات، فعلى سبيل المثال، يقوم معظم عمال المصانع في الوقت الحالي بإنجاز جزء يسير فقط من الإنتاج النهائي، و نتيجة لذلك، يفقد هؤلاء العمال الإحساس بالفخر و الإعتزاز اللّذَيْن يتحقّقان فقط من خلال إنجازهم كامل الإنتاج، و يتطلب الكثير من الوظائف و الأعمال التركيز أثناء العمل، و على الرّغم من أن معظم الآلات الحديثة في المصانع أو غيرها أكثر أمنًا مُقارنة بما كانت عليه في الماضي، إلا أن الكثير منها ما زال خطرًا، و بوجه خاص، إذا لم يعامل بعنايةٍ فائقة، و يجب على مُشغلي الآلات أن يكونوا حذرين دائمًا حتى تعمل آلاتهم بصورةٍ صحيحة و سليمة، و لأن التعامل مع الآلات بصفة دائمة، يصبح بعد فترة أمرًا تقليديًا، فإن الأعمال تصبح مُملةً على الرغم من أنها تحتاج إلى تركيز دائم.
تحدِّيات التقنية
تواجه التقنية الحديثة تحديات لا حدود لها، و يتمثّل أول هذه التحدّيات في التغلّب على التأثيرات الجانبية السيئة لهذه التقنية، و من الأمور الأخرى المهمة التغلب على الآثار الجانبية بإستحداث تقنيات جديدة و من ثم تطويرها، و ما زال هناك تحدٍّ آخر يتمثل في توزيع فوائد هذه التقنيات و فضائلها على دول العالم، و بالذّات دول العالم النامي.
التغلب على تأثيرات التقنية السيئة
يصعب في كثير من الحالات التغلّب على بعض الآثار السلبية للتقنية، كما لا يمكن علاج بعضها الآخر أو التخلص منه، فعلى سبيل المثال، يصعب تحويل العمل غير المرضي إلى عمل مرضٍ و محبّب للنفس، و سوف يتطوّر التشغيل الآلي و يساعد في التخلّص من الكثير من العمال و من الأعمال العادية (الروتينية)، و كذلك الأعمال الثقيلة على النفس، و لكن سيكون ذلك على حساب بعض العمال الذين سيفقدون عملهم و سيواجهون مشكلة البطالة، و على الرّغم من هذه المساوئ، فإنه يمكن التغلّب مرّة أخرى على مشكلة البطالة، بالتعاون بين أصحاب الصناعات و الحكومات، بإعادة تدريب هؤلاء العمال ليشْغلوا وظائف تتطلب قدرًا أعلى من المهارة، و من المحتمل أن تكون الوظائف الجديدة أكثر قبولاً و قناعة لهم.
يمكن للقائمين على الصناعة أن يعملوا الكثير لتخفيض مشكلات تلوث البيئة الناتجة عن الصناعات المختلفة، و كذلك الحَدّ من ٱستنزاف المصادر الطبيعية، و أحد السُبُل التي يمكن ٱتباعها لتحقيق ذلك هو تطوير تقنيات بديلة للتقنيات المستخدمة ذات الآثار الجانبية السيئة.
و من الأمثلة على ذلك، إمكانية التغلب على مشكلة تلوث الهواء بالتوصّل إلى وسائل تقنية متطورة لتنقية الغازات المنبعثة من عادم السيارة، و يمكن لأرباب الصناعات المساعدة في المحافظة على الثروات الطبيعية من معادن و أخشاب، و عدم إستنزافها عن طريق عملية يُطلق عليها إسم إعادة التصنيع، و ذلك يعني المحافظة على الثروة الطبيعية و ٱسترجاع المواد الأولية من نواتج المخلّفات و ٱستخدامها في صناعة منتجات جديدة.
و تطوير التّقنيات البديلة ربما يكون أمرًا مُكلفًا لأن المصانع قد تحتاج إلى إستخدام خبراء إضافيين، أو إلى توظيف أموالها في أجهزة جديدة مكلفة، و في جميع الحالات، يتحمّل المستهلك تكلفة التطوير التقني للصناعات البديلة في صورة غير مباشرة برفع أسعار السلع و الخدمات، و على الرّغم من ذلك، تُفضّل بعض الشركات عدم دفع أية تكلفة لتطوير تقنيات جديدة.
و في بعض الأحيان، يمكن أن تكون عملية إعادة إستعمال المواد أكثر تكلفة مقارنة بإستخدام الموارد التقليدية، مما يدفع بعض الشركات أحيانًا إلى عدم الدخول في هذا المجال.
و مهما كانت الظروف، فإن عملية الإختيار ليست أمرًا سهلاً، و لأنها من القرارات الخطيرة، و نظرًا لتأثير مثل هذه القرارات على صحة المجتمع أو الدولة أو الأمة جمعاء، ينبغي ألا يُترك الأمر للشركات، بل لابد أن تضع المؤسسات الحكومية القرار، و تكون لها سُلطَة التّنفيذ و المراقبة، فعلى سبيل المثال، تطلب كثير من الحكومات المحلية من المصانع أن تُركّب أجهزة للتحكم في التلوث.
لا تُعَدّ التقنيات البديلة المفتاح السحري لحل جميع مشكلات الآثار الجانبية للتقنيات، حيث إن التقنيات البديلة يمكن أن تكون لها أيضًا آثار جانبية ضارة، فعلى سبيل المثال، تتميز محطات القوى النووية بعدة ميزات تفوق بها محطات القوى التقليدية لتوليد الكهرباء، فالأخيرة تعمل بحرق الوقود، و لهذا تنبعث منها الأدخنة و الغبار، كما تُوَلّد محطات الوقود النووية قدرًا هائلاً من الكهرباء مستخدمة كمية قليلة جدًا من المواد الأولية، كما أنها لا تلوث الهواء، كما هو الحال في محطات القوى القائمة على حرق الوقود، و لكن على الرّغم من هذه المميزات، فإن محطات القوى النووية مثل محطات القوى التقليدية تنساب منها كميات ضخمة من الماء الحار الذي يَصبُّ في البحيرات و المجاري المائية، و قد يُسَبّب الماء الحار المُنْساب التلَوّث الحراري الذي يضر المياه و الحيوانات و النباتات.
و يعمل العلماء و المهندسون في الوقت الراهن على حل هذه المشكلة في محطات القوى النووية، بإنشاء أبراج تبريد مُستخدمين الهواء لتبريد الماء الحار الناتج عن المحطات قبل ٱنسيابه إلى البيئة المحيطة، و تحاول بعض الشركات كذلك، ٱسترجاع الحرارة المفقودة بأساليب صناعية مختلفة للإستفادة منها في تدفئة المباني.
منع التأثيرات الجانبية
يعتقد الكثير من الخبراء في إمكان وقف معظم الآثار الجانبية الضارة للتقنية، و لذا يقترح هؤلاء الخبراء أن أي تقنية جديدة لابد من إختبارها بدقة، ثم تقدير آثارها قبل البدء في إستخدامها، و يُطلق على عملية التقدير إسم تقويم التقنية.
و الهدف من هذا التقييم هو الوقوف مُسبقًا على كل التأثيرات المحتملة التي قد تُحدثها التقنية الجديدة على المجتمع و البيئة، سواء أكانت هذه التأثيرات حسنة أم ضارة.
و قد يخلص التقييم إلى أن الفوائد التي تقدمها التقنية الجديدة تفوق أية آثار جانبية تحدثُها، أو قد تبرهن على أن الآثار الجانبية سيبلغ ضررها درجة تطغى على كل فائدة تقدمها.
و يُشَكّكُ بعض الخبراء في جدوى تقييم التقنية لعدم قناعتهم بإمكان الكشف عن كل الآثار الجانبية للتقنية قبل تطبيقها الفعلي، و وضعها موضع التنفيذ، كما يخشى هؤلاء العلماء أيضًا من وقوف تقييم التقنية قبل تطبيقها، حَجَر عثرة في طريق التقدم العلمي و التقني.
نشر فوائد التقنية
تقتصر فوائد التقنية إلى حد بعيد على الدول الصناعية المتطورة، و من العجيب أن مزايا التقنية، حتى في الدول المتطورة نفسها، غير موزعة بالتساوي، حيث يُلاحظ أن كثيرًا من العائلات في الدول الصناعية تنقصها الضرورات الأساسية للحياة التي يتمتع بها الآخرون في الدولة نفسها.
و قد حُرمت دول العالم النامية من فوائد التقنية و آثارها الطيبة، و لا تنعم هذه الدول إلا بقدر ضئيل مما وفّرته التقنية.
و مما لا شك فيه، أن مواطني هذه الدول يودون الحصول على ما وفرته التقنية من منتجات و خدمات ينعم بها مواطنو الدول الصناعية المتقدمة، و يُعدُّ نقل التقنية و علومها من التحدّيات الأساسية في هذه الأيام.
إن نقل التقنية إلى الدول النامية ستكون له آثاره الجانبية السيئة، كما أن إستمرار التقدّم التقني و نموه في الدول المتقدمة سيظل سببًا في إيجاد المشكلات في الدول الصناعية المتقدمة شأنها في ذلك شأن الدول النامية، و على الرّغم من وجود الآثار الضارة للتقنية، إلا أن إستقراء التاريخ قد أوضح أن الإنسان لديه من الذكاء و المهارات ما يجعله قادرًا على التعامل مع المشكلات الرّاهنة و القادمة، التي تنشأ من جَرّاء التقنية.
أنظر أيضا : تلوّث البحيرات و الأنهار ؛ التلَوّث البيئي.