نبذة تاريخية
يتسبّبْ البشر على الدوام في إحداث تلوث ما للبيئة، فقد أوجد الناس المخلفات منذ عصور ما قبل التاريخ، و مثل النفايات في هذه الأيام، كانت المخلفات تحرق، أو تلقى في مجاري المياه، أو تدفن في الأرض، أو تطرح فوق سطحها، و لكن مخلفات الأقدمين كانت في معظمها نفايات طعام، أو مواد أخرى سهلة التحلل عن طريق عمليات الإنحلال الطبيعي.
و كان عدد السكان في الماضي قليلاً، و كانوا موزعين على مناطق شاسعة من الأرض، و نتيجة لذلك كان تركيز التلوّث قليلاً، و لم يسبّب إلا القليل من المشاكل.
إنتشار التلوث
بدأ إنتشار التلوث في العصور الغابرة عندما أخذت مجموعات كبيرة من الناس تعيش معاً في المدن، و ٱتسع بإتساع هذه المدن، وقد تسببت الممارسات غير الصحية، و موارد المياه الملوثة، في تفشي الأوبئة الجماعية في المدن القديمة، و أصبحت المشاكل البيئية أكثر خطورة، و ٱتسع نطاقها في القرن الثامن عشر و مطلع القرن التاسع عشر، خلال الحقبة المسماة بالثورة الصناعية، التي بدأت في إنجلترا ثم إنتشرت إلى الأقطار الأوروبية الأخرى و أمريكا الشمالية، وقد تميزت هذه الفترة بتطور المصانع و إزدحام المدن بالعاملين في الصناعة.
كانت المصانع خلال فترة الثورة الصناعية تستمد معظم طاقتها من الفحم الحجري، و ٱستخدمت معظم منازل المدن الفحم الحجري وقودًا للتدفئة، و أدى احتراق الفحم الحجري إلى إغراق أجواء لندن و المدن الصناعية الأخرى بالدخان و السناج، وبسبب سوء المرافق الصحية وصلت مياه المجاري إلى موارد مياه الشرب في المدن، حيث أدى الماء الملوث إلى الإصابة بحمى التيفوئيد، وغير ذلك من الأمراض.
و في الولايات المتحدة بدأ تلوث الهواء يشكل خطورة كبيرة، في مطلع القرن العشرين، فبحلول ثلاثينيات القرن العشرين امتلأت أجواء كثير من مدن الشرق والغرب الأوسط بالدخان و السناج المنبعث من مصانع الفولاذ و محطات القدرة و السكك الحديدية و محطات التدفئة، وفي بعض المدن الصناعية كانت كثافة الدخان تصل في الكثير من الأحيان حدًا يضطر معه السائقون إلى إستخدام المصابيح الأمامية والإستعانة بمصابيح الشوارع أثناء النهار.
تطورات مكافحة التلوّث
أمكن الحد من التلوث الهوائي الناجم عن إحتراق الفحم الحجري، إلى حد كبير منذ خمسينيات القرن العشرين، في أكثر مدن العالم.
و تستخدم كل القطارات تقريبًا، و الكثير من الصناعات و محطات التدفئة المنزلية حاليًا الوقود النظيف مثل الغاز الطبيعي و الزيت، و بالإضافة إلى ذلك ٱتخذت الصناعات التي ما زالت تستخدم الفحم الحجري، عدة خطوات لمكافحة التلوث المنبعث من أفرانها، أما الأوبئة التي تسببها العضيات الدقيقة، الناقلة للأمراض والتي توجد في موارد مياه الشرب في المدن، فلم تعد تشكل مشكلة رئيسية في معظم أجزاء العالم، وذلك لأن المدن تعالج مياهها الآن وتبقي عليها خالية من العضيات الدقيقة قدر المستطاع.
التلوث البيئي مصطلح يُعنى بكافة الطرق التي بها يتسبب النشاط البشري في إلحاق الضرر بالبيئة الطبيعية، ويشهد معظم الناس تلوث البيئة في صورة مَطْرَح مكشوف للنفايات أو في صورة دخان أسود ينبعث من أحد المصانع، ولكن التلوث قد يكون غير منظور، ومن غير رائحة أو طعم، و بعض أنواع التلوث قد لا تتسبب حقيقة في تلوث اليابسة و الهواء و الماء، ولكنها كفيلة بإضعاف متعة الحياة عند الناس و الكائنات الحية الأخرى، فالضجيج المنبعث من حركة المرور و الآلات مثلاً، يمكن إعتباره شكلاً من أشكال التلوّث.
و التلوث البيئي أحد أكثر المشاكل خطورة على البشرية، وعلى أشكال الحياة الأخرى التي تدب حاليًا على كوكبنا، ففي مقدور هواء سيئ التلوث أن يسبب الأذى للمحاصيل، وأن يحمل في طياته الأمراض التي تهدد الحياة، لقد حَدَّت بعض مُلوّثات الهواء من قدرة الغلاف الجوي على ترشيح إشعاعات الشمس فوق البنفسجية، والتي تنطوي على الأذى، و يعتقد العديد من العلماء أن هذه الإشعاعات، وغيرها من مُلوّثات الهواء، قد أخذت تحدث تغييرًا في مناخات العالم، و تُهدّد ملوثات الماء و التربة قدرة المزارعين على إنتاج الغذاء الضروري لإطعام سكان العالم، كما تهدد الملوثات البحرية الكثير من الكائنات العضوية البحرية.
يرى كثير من الناس في ملوثات الهواء و الماء و التربة أشكالاً متميزة من أشكال التلوث، إلا أن كل جزء من أجزاء البيئة ـ أي الهواء و الماء و التربة ـ يعتمد كل منها على الآخر، وعلى النباتات و الحيوانات التي تعيش ضمن هذه البيئة، و تشكل العلاقات بين كل الكائنات الحية و غير الحية في بيئة معينة نظامًا يسمى النظام البيئي.
و ترتبط كل الأنظمة البيئية بعضها ببعض، و هكذا فإن الملوث الذي يبدو و كأنه يؤثر في جزء واحد فقط من البيئة، ربما أثر أيضًا في أجزاء أخرى، فالدخان السُّخامي المنبعث من محطة قدرة، على سبيل المثال، قد يبدو مؤثرًا على الغلاف الجوي فقط، ولكن في مقدور الأمطار أن تطرد بعض الكيميائيات الضارة الموجودة في الدخان و إسقاطها على الأرض أو على مجاري المياه.
تنبعث بعض الملوثات، مثل أنبوب المجاري الذي يطرح ماء متسخًا في نهر من الأنهار، من نقطة محدودة أو مكان محدد، ويعرف هذا بتلوث المصدر المحدود، في حين تنبعث ملوثات أخرى من مناطق واسعة، ففي مقدور الماء الجاري في المزارع أن يحمل معه المبيدات و الأسمدة إلى الأنهار، كما أن بإمكان مياه الأمطار أن تجرف الوقود و الزيت و الأملاح من الطرق و مواقف السيارات، و تحملها إلى الآبار التي تزودنا بمياه الشرب، و يسمى التلوث الصادر عن مثل هذه المناطق الواسعة بتلوث المصدر اللّامحدود.
يرغب كل شخص تقريبًا في الحد من التلوث، ولكن معظم التلوث الذي يهدد صحة كوكبنا حاليًا يأتي لسوء الحظ من منتجات يحتاجها كثير من الناس، و يرغبون فيها.
فمثلاً، توفر السيارات الراحة بنقلها للأشخاص، ولكنها تُنتج نسبة عالية من تلوث الهواء في العالم، و تنتج المصانع منتجات يستخدمها الناس، و يستمتعون بها، و لكن العمليات الكيميائية في مقدورها أن تسبب التلوّث، و تساعد المبيدات و الأسمدة في نمو كميات كبيرة من الأغذية، و لكنها تسمّم التربة و مجاري المياه.
يتَوجّبُ على الناس أن يُقلّلُوا من إستخدام السيارات، و وسائل الراحة الحديثة الأخرى، وذلك من أجل وضع نهاية للتلوث، أو التقليل منه إلى حد كبير، كما أن على بعض المصانع أن تغلق أبوابها أو أن تغير طرق إنتاجها، و لكن إغلاق هذه الصناعات سيزيد من البطالة، و ذلك لأن معظم أعمال الناس تعتمد على صناعات تسهم في التلوث البيئي، و بالإضافة إلى ذلك قد يؤدي توقف المزارعين فجأة عن إستخدام المبيدات، و الأسمدة إلى الحد من الغذاء اللّازم لإطعام الناس في هذا العالم.
وعلى أي حال يمكن تقليل التلوث، بمرور الزمن بعدة طرق، دونما أي تعطيل جِدّي لمسيرة حياة الناس، فمثلاً يمكن للحكومات أن تسن تشريعات تشجع المؤسسات على تبني طرق تشغيلية قليلة التلوث، و يمكن للعلماء و المهندسين أن يطوروا منتجات تصنيعية نظيفة و أكثر أمانًا بالنسبة للبيئة، كما يمكن للأفراد و الجماعات في العالم أن يجدوا بأنفسهم طرقًا تقلّل من التلوث البيئي.
أنواع التلوّث البيئي
تشتمل أنواع التلوّث البيئي على تلوّث الهواء، و تلوّث الماء، و تلوّث التربة، و التلوّث الناتج عن المخلفات الصلبة والمخلفات الخطرة والتلوث بالضجيج.
تلوّث الهواء
يعني إختلاط الهواء بمواد معينة، مثل وقود العادم والدخان، و بإمكان تلوث الهواء الإضرار بصحة النباتات و الحيوانات، و تخريب المباني و الإنشاءات الأخرى، وتقدر منظمة الصحة العالمية أن ما يقرب من خُمْس سكان العالم يتعرضون لمستويات خطرة من ملوثات الهواء.
يتكون الغلاف الجوي، في وضعه الطبيعي من النيتروجين و الأكسجين و كميات صغيرة من ثاني أكسيد الكربون و الغازات الأخرى، و الهبائيات (جُسَيْمات دقيقة من المواد السائلة أو الصلبة) و يعمل عدد من العمليات الطبيعية على حفظ التوازن بين مكونات الغلاف الجوي.
فمثلاً، تستهلك النباتات ثاني أكسيد الكربون و تطلق الأكسجين، و تقوم الحيوانات بدورها بإستهلاك الأكسجين و إنتاج ثاني أكسيد الكربون من خلال دورة التنفس، و تنبعث الغازات و الهبائيات إلى الغلاف الجوي من جرَّاء حرائق الغابات و البراكين، حيث تجرفها أو تبعثرها الأمطار و الرياح.
يَحدُث التلوث الهوائي عندما تُطلِق المصانع و المركبات كميات كبيرة من الغازات و الهبائيات في الهواء، بشكل تعجز معه العمليات الطبيعية عن الحفاظ على توازن الغلاف الجوي، و يوجد نوعان رئيسيان من التلوث هما:
1- التلوث الخارجي
2- التلوث الداخلي
تلوث الهواء الخارجي
تُطلق في كل عام مئات الملايين من الأطنان من الغازات و الهبائيات داخل الغلاف الجوي، ويحدث معظم هذا التلوث نتيجة إحتراق الوقود المستخدم في تشغيل المركبات و تدفئة المباني، كما يُصدِر بعض التلوث عن العمليات الصناعية و التجارية فمثلاً، يُستخدم مُركّب فوق كلوريد الإثيلين ـ وهو مُلوِّث خطِر ـ في الكثير من معامل التنظيف الجاف، لإزالة الأوساخ من على الملابس، و قد يؤدي حرق النفايات إلى إنطلاق الدخان والفِلِزّات الثقيلة مثل الرصاص و الزئبق داخل الغلاف الجوي، و معظم الفِلِزّات الثقيلة سام جدًا.
و من أكثر الملوثات الهوائية الخارجية شيوعًا الضباب الدخاني، وهو مزيج ضبابي من الغازات و الهبائيات بُنِّي اللّون، يتكون عندما تتفاعل غازات معينة، منطلقة نتيجة إحتراق الوقود و المنتجات البترولية الأخرى، مع أشعة الشمس في الغلاف الجوي، حيث ينتج عن هذا التفاعل مواد كيميائية ضارة تشكل الضباب الدخاني.
ومن الكيميائيات الموجودة في الضباب الدخاني شكل سام من أشكال الأكسجين يسمى الأوزون، و يؤدّي التعرض لتركيزات عالية من الأوزون إلى الإصابة بالصداع و حرقة العيون و تُهيّج المجرى التنفسي لدى العديد من الأفراد، وفي بعض الحالات قد يؤدي وجود الأوزون في الطبقات المنخفضة من الغلاف الجوي إلى الوفاة، كما يمكن للأوزون أن يُدمِّر الحياة النباتية، بل و يقتل الأشجار.
يُطْلَق مُصطلح المطر الحِمْضي على المطر و غيره من أشكال التساقط، التي تتلوّث بشكل رئيسي بحمضي الكبريتيك و النيتريك، و يتكون هذان الحِمْضان عندما يتفاعل غاز ثاني أكسيد الكبريت و أكسيد النيتروجين مع بُخار الماء في الهواء، و تنتج هذه الغازات أساسًا عن إحتراق الفحم و الغاز و الزيت في المَرْكَبات و المصانع و محطات القُدْرة، و تتحرك الأحماض الموجودة في المطر الحِمْضي خلال الهواء والماء، ويسبب الضرر للبيئة على مدى مساحات شاسعة، وقد أدى المطر الحمضي إلى قتل تجمعات سمكية كاملة في عدد من البحيرات.
و يؤدي أيضًا إلى تلف المباني و الجسور و النُصُبْ التّذكارية، و يرى العلماء أن التركيزات العالية من المطر الحمضي يمكنها أن تتسبب في الإضرار بالغابات و التربة، و تشمل المناطق المتأثرة بالمطر الحمضي أجزاء شاسعة من شرق أمريكا الشمالية و إسكندينافيا و وسط أوروبا.
و تلوث كيميائيات تسمى " الكلورو فلورو كربونات "طبقة الأوزون في الغلاف الجوي العلوي، و تستخدم هذه المُركَّبات في الثلاجات و المكيفات وفي صناعة عوازل الرغوة البلاستيكية، و يشكل الأوزون، وهو الملوث الضّار الموجود في الضباب الدخاني، طبقة واقية في الغلاف الجوي العلوي، حيث تحمي سطح الأرض من أكثر من 95% من إشعاعات الشمس فوق البنفسجية، ولأن "الكلورو فلورو كربونات" تقلل طبقة الأوزون فإن المزيد من الإشعاعات فوق البنفسجية سيصل إلى الأرض، ويُدمِّر التعرض المفرط لهذه الإشعاعات النباتات، ويزيد من خطورة تعرض الناس لسرطان الجلد.
و تأثير البيت المحمي هو التسخين الناتج عن إحتباس الغلاف الجوي لحرارة الشمس، و يسبب هذه الظاهرة غاز ثاني أكسيد الكربون و الميثان و الغازات الجوية الأخرى، والتي تسمح لأشعة الشمس بالوصول إلى الأرض، ولكنها تحول دون خروج الحرارة من الغلاف الجوي، و تسمى هذه الغازات التي تعمل على إحتباس الحرارة غازات البيت المحمي.
يؤدي إحتراق الوقود و النشاطات البشرية الأخرى إلى زيادة كمية غازات البيت المحمي في الغلاف الجوي، و يعتقد كثير من العلماء أن هذه الزيادة تكثف تأثير البيت المحمي وتؤدي إلى رفع درجة الحرارة عالميًا، و قد تؤدي هذه الزيادة في درجة الحرارة و التي تسمى التدفئة العالمية، إلى حدوث مشاكل كثيرة، و بإمكان تأثير البيت المحمي، إذا كان قويًا، أن يتسبب في إنصهار المثالج وأغطية الجليد القطبية، وأن يؤدي إلى فيضان الشواطئ، و بإمكانه أيضًا إحداث تحول في أنماط تساقط الأمطار، مما يؤدي بدوره إلى إزدياد الجفاف و حدوث العواصف المدارية الشديدة.
تلوّث الهواء الداخلي
يحدث هذا التلوث عن إحتباس الملوثات داخل المباني التي تعاني أنظمة تهويتها من سوء التصميم، و أنواعه الرئيسية هي : دخان السجائر، و الغازات المنبعثة من المواقد و الأفران، و الكيميائيات المنزلية، و جسيمات الألياف، و الأبخرة الخطرة المنبعثة من مواد البناء، مثل العوازل و البويات و الأصماغ، و تتسبب الكميات الكبيرة من هذه المواد داخل بعض المكاتب في حدوث الصداع وتهيج العيون ومشاكل صحية أخرى للعاملين فيها، و تسمى مثل هذه المشاكل الصحية أحيانًا متلازمة المباني المريضة.
و الرادون ـ و هو غاز مشع ينبعث عن إنحلال اليورانيوم في الصخور الأرضية ـ ملوث خطر آخر، ففي مقدوره أن يسبب سرطان الرئة إذا ما ٱستنشق بكميات وافرة، و يتعرض الناس لغاز الرادون إذا ما تسَرّب هذا الغاز إلى الطوابق السفلى من المنازل المبنية فوق تربة أو صخور مشعة، و في مقدور المباني عالية الكفاءة، و التي تحافظ على الهواء الساخن أو البارد داخلها، أن تحتبس الرادون في الداخل و أن ترفع من تركيزه.
تلوّث الماء
هو إختلاط الماء بمياه المجاري أو الكيميائيات السامة أو الفِلِزَّات أو الزيوت أو أية مواد أخرى، و في مقدور هذا التلوث أن يؤثر في المياه السطحية، مثل الأنهار و البحيرات و المحيطات، كما يمكن أن يؤثر في المياه التي في باطن الأرض، والمعروفة بالمياه الجوفية، و بإمكانه أيضًا أن يسبب الأذى لأنواع عديدة من النباتات و الحيوانات، و وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يموت ما يقرب من خمسة ملايين شخص سنويًا، بسبب تجرعهم ماءً ملوثًا.
و في النظام المائي الصحي، تعمل دورة من العمليات الطبيعية، على تحويل المخلفات إلى مواد نافعة أو ضارة، و تبدأ الدورة عندما تستخدم كائنات عضوية تعرف بالبكتيريا الهوائية، الأكسجين الذائب في الماء لهضم المخلفات، وتنتج هذه العملية النترات و الفوسفات وغيرها من المغذيات (عناصر كيميائية تحتاجها الكائنات الحية في نموها) و تمتص الطحالب و النباتات المائية الخضراء هذه المغذيات، و تأكل حيوانات مجهرية تدعى العوالق الحيوانية الطحالب، و تأكل الأسماك تلك العوالق، أما الأسماك فقد تأكلها أسماك أكبر منها أو طيور أو حيوانات أخرى، وتنتج عن هذه الحيوانات مخلفات جسيمة، ثم ما تلبث أن تموت.
و تحلل البكتيريا هذه الحيوانات الميتة، و المخلفات الحيوانية، ثم تعاود الدورة الكرة مرة أخرى.
يحدث التلوث المائي عندما يُلقي الناس بكميات من المخلفات في نظام مائي ما، بحيث تصل إلى درجة لايكون معها في وسع عمليات التنقية الطبيعية التابعة له أن تؤدي وظيفتها على الوجه المطلوب.
و بعض المخلفات، مثل الزيت و الأحماض الصناعية و المبيدات الزراعية، تسمم النباتات المائية و الحيوانات، بينما تلوث بعض المخلفات الأخرى مثل المنظفات الفوسفاتية و الأسمدة الكيميائية و رَوْثِ الحيوانات، بمد الحياة المائية بمزيد من المغذيات، و تسمى هذه العملية الإثراء الغذائي، و تبدأ عندما تنساب كميات كبيرة من المغذيات إلى أنظمة المياه حيث تعمل المغذيات على تحفيز النمو الزائد للطحالب، و كلما ٱزداد نمو الطحالب، ٱزداد فناؤها بالمقابل.
و تستهلك البكتيريا الموجودة في الماء كميات كبيرة من الأكسجين لتهضم بذلك الفائض من الطحالب الميتة، و يؤدي ذلك إلى نقص مستوى الأكسجين في الماء مما يتسبب في موت الكثير من النباتات المائية و كذلك الحيوانات.
يصدر التلوث المائي عن المؤسسات التجارية و المزارع و المنازل و المصانع و مصادر أخرى، و يشتمل على نفايات المجاري و الكيميائيات الصناعية و الكيميائيات الزراعية و مخلفات المواشي، و من أشكال التلوث المائي أيضًا الماء الحار النظيف المنبعث من محطات القدرة إلى مجاري المياه، و يتسبب هذا الماء الحار المسمى بالتلوّث الحراري في الإضرار بالأسماك و النباتات المائية عن طريق تقليل كمية الأكسجين في الماء، و في مقدور الكيميائيات و الزيوت المنسكبة أن تحدث تلوثًا مائيًا مدمرًا يتسبب في قتل الطيور المائية و المحار و الحياة الفطرية الأخرى.
و يحدث بعض التلوث إذا لم يَجْر فصل مُحْكم بين مجاري المياه و مياه الشرب النظيفة، ففي المناطق التي تفتقر إلى محطات حديثة لمعالجة مياه المجاري، يمكن أن تنساب المياه التي تحمل معها المخلفات البشرية إلى موارد المياه، مما يؤدي إلى إختلاط البكتيريا الناقلة للأمراض بماء الشرب و تتسبب في الإصابة بأمراض مثل الكوليرا و الدوسِنْتاريا.
أما في المناطق التي تحظى بصرف صحي جيد فإن معظم المخلفات البشرية تنساب في أنابيب وضعت في باطن الأرض، حيث ينتهي بها المطاف إلى محطات معالجة خاصة تقتل البكتيريا الضارة و تزيل المخلفات الصلبة.
أنظر : تلوّث الماء.
تلوّث التربة
هو التدمير الذي يصيب طبقة التربة الرقيقة الصحية المنتجة، حيث ينمو معظم غذائنا، و لولا التربة الخصبة لما استطاع المزارعون إنتاج الغذاء الكافي لدعم سكان العالم.
تعتمد التربة الصحية على البكتيريا و الفطريات و الحيوانات الصغيرة لتحليل المخلفات التي تحتويها، و إنتاج المغذيات، و تساعد هذه المغذيات في نمو النباتات، و قد تحد الأسمدة و المبيدات من قدرة الكائنات العضوية التي في التربة على معالجة المخلفات وبناء عليه، فإن في مقدور المزارعين الذين يفرطون في إستخدام الأسمدة و المبيدات أن يعملوا على تدمير إنتاجية التربة.
و هناك عدد من النشاطات البشرية الأخرى التي يمكنها تدمير التربة، و قد يؤدي رَيّ التربة في المناطق الجافة، مع وجود نظام تصريف سيئ، إلى ترك الماء راكدًا في الحقول، و إذا ما تبخّر هذا الماء الراكد فإنه سيُخلِّف الرواسب المِلحِيّة من ورائه جاعلاً التربة شديدة الملوحة، مما يؤثر في نمو المحاصيل، و تؤدي عمليات التعدين و الصهر إلى تلويث التربة بالفلزات الثقيلة السامة، كما يرى كثير من العلماء أن في إمكان المطر الحمضي أن يقلل من خصوبة التربة.
المُخَلّفات الصُلبة
ربما تكون أكثر أشكال التلوث ظهورًا للعيان، ففي كل عام يُلقي الناس بلايين الأطنان من المخلفات الصلبة، و تُسهم المخلفات الصناعية بنصيب وافر من هذه المواد المطروحة، و تسمى المخلفات الصلبة الصادرة عن المنازل و المكاتب و المخازن المخلفات البلدية الصلبة، و تشمل الورق و البلاستيك و القوارير و العلب و النفايات الغذائية و نفايات الحدائق، و من المخلفات الأخرى خُرَد السيارات و المعادن و مخلفات العمليات الزراعية و مخلفات التعدين المسماة نفايات الحُفر.
يمثل تداول المخلفات الصلبة مشكلة في حد ذاته، لأن معظم طرق التخلص من المخلفات تعمل على تدمير البيئة، فمطارح النفايات المكشوفة تسيئ إلى الجمال الطبيعي للأرض، و توفر مأوى للفئران و الحيوانات الأخرى الناقلة للأمراض، و قد تحتوي المطارح المكشوفة و حُفر الرّدم (مساحات تدفن فيها النفايات) على مواد سامة قد تتسرب إلى المياه الجوفية أو مجاري المياه و البحيرات.
و يكوّن الإحتراق غير المراقب للمخلفات الصلبة دخانًا وملوثات جوية أخرى، و حتى حرق المخلفات في المحارق قد يطلق الكيميائيات السامة و الرماد و الفلزات الضارة إلى الهواء.
المُخَلّفات الخطرة
تتكون من المواد المطروحة التي قد تهدد صحة البشر والبيئة، و يعد المخلف خطرًا إذا ما تسبب في تآكل المواد الأخرى، أو ٱنفجر، أو ٱشتعل بسهولة، أو تفاعل بشدة مع الماء، أو كان سامًا، و تشمل مصادر المخلفات الخطرة المصانع و المستشفيات و المعامل، و في مقدورها أن تتسبب في إحداث الإصابات الفورية إذا ما تنفسها الناس أو إبتلعوها أو لمسوها، و قد تلوث بعض المخلفات الخطرة ـ إذا ما دُفنت في باطن الأرض أو تُركت في المطارح المكشوفة ـ المياه الجوفية، و قد تختلط بالمحاصيل الغذائية.
لقد أدى سوء التداول و الطرح غير المقصود للمخلفات الخطرة إلى العديد من الكوارث في العالم، ففي سنة 1978م أدى تسرب كيميائيات خطرة من مطرح للنفايات قرب شلالات نياجارا في ولاية نيويورك إلى تهديد صحة القاطنين بالقرب من هذه المنطقة، مما أجبر المئات من الناس على ترك منازلهم، و في سنة 1984م أدى تسرب غاز سام من مصنع للمبيدات في مدينة بوبال في الهند إلى مقتل أكثر من 2800 شخص، و أحدث تلفًا في عيون و أجهزة تنفس أكثر من 20,000 شخص.
و يمكن لبعض المخلفات الخطرة أن تُحدث الأذى الشديد لصحة الناس و الحياة البرية و النباتات، ومن هذه المخلفات الإشعاع و المبيدات و الفلزات الثقيلة.
الإشعاع ملوث غير منظور يمكنه تلويث أي جزء من البيئة، و ينتج معظم الإشعاع عن مصادر طبيعية مثل المعادن و أشعة الشمس، كما أن في وسع العلماء إنتاج العناصر المشعة في معاملهم، و قد يسبب التعرض لكميات كبيرة من الإشعاع تلف الخلايا، و قد يؤدي إلى الإصابة بالسرطان.
و تمثل المخلفات المُشِعَّة الناتجة عن المفاعلات النووية و مصانع الأسلحة مشكلة بيئية كامنة الخطورة، حيث تبقى بعض هذه المخلفات نشطة في إشعاعها آلاف السنين، كما أن التخزين الآمن للمخلفات المشعة صعب و باهظ التكاليف.
المُبيدات
يمكنها الإنتقال لمسافات شاسعة خلال البيئة، فقد تحملها الرياح، عند رشها على المحاصيل أو في الحدائق، إلى مناطق أخرى، و قد تنساب المبيدات مع مياه الأمطار إلى جداول المياه القريبة أو تتسرب خلال التربة إلى المياه الجوفية، و يمكن لبعض المبيدات أن تبقى في البيئة لسنوات طويلة، و أن تنتقل من كائن عضوي لآخر، فالمبيدات الموجودة في مجرى مائي، على سبيل المثال، قد تمتصها الأسماك الصغيرة و الكائنات العضوية الأخرى.
و تتراكم كميات أكبر من هذه المبيدات في أنسجة الأسماك الكبيرة التي تأكل الكائنات العضوية الملوثة.
الفلزات الثقيلة تشمل الزئبق والرصاص، و قد تطلق عمليات التعدين و حرق المخلفات الصلبة و العمليات الصناعية و المركبات الفلزات الثقيلة إلى البيئة، و مثل المبيدات يمتد أثر الفلزات الثقيلة لفترات طويلة، و بإمكانها الإنتشار في البيئة، و مثل المبيدات أيضًا، قد تتجمع هذه الفلزات في عظام و أنسجة الحيوانات، و في البشر قد تؤدي هذه الفلزات إلى تدمير الأعضاء الداخلية و العظام و الجهاز العصبي، و يمكن للكثير منها أن يؤدي إلى الإصابة بالسرطان.
مُكافحة التلوّث
تعتمد مكافحة التلوث على جهود الحكومات و العلماء و المؤسسات و المصانع و الزراعة و المنظمات البيئية و الأفراد.
إعادة تصنيع النفايات
النشاط الحكومي
تعمل الحكومات ـ القومية و المحلية ـ في مختلف أرجاء العالم على التخلص من التلوّث الذي يسبب التلف لأرضنا من يابسة و هواء و ماء، و بالإضافة إلى ذلك بذلت جهود دولية عديدة لحماية الموارد الأرضية.
و قد سنت العديد من الحكومات المحلية القوانين التي تساعد في تنقية البيئة، و في بعض مدن العالم الكبرى و أكثرها تلوثًا وضعت الحكومات المحلية الخطط للحد من التلوث الهوائي، و تشتمل مثل هذه الخطط على خطوات تحد من إستخدام المركبات الخصوصية و تشجع النقل الجماعي.
و في مقدور الحكومات سَنّ القوانين الخاصة بعملية إعادة التدوير (إعادة التصنيع ) و إعادة التدوير عملية تهدف إلى إسترداد المواد و إعادة إستخدامها بدلاً من التخلص منها، ففي فيينا بالنمسا مثلاً، يتوجب على المواطنين أن يفرزوا نفاياتهم في حاويات خاصة بالورق و البلاستيك و المعادن و علب الألومنيوم و الزجاج الأبيض و الزجاج الملون و مخلفات الطعام و الحدائق، و تشجع العديد من الولايات الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية على إعادة إستخدام القوارير بفرض تأمين مسترد في حالة إعادة القارورة.
كذلك سنت العديد من الدول تشريعاتها الخاصة بالتخلص من التلوث، كما أنها تنظم وسائل التخلص من المخلفات الصلبة و الخطرة، و لدى العديد من الدول الصناعية وكالات تملك سلطة مراقبة التلوث و فرض التشريعات.
و من الطرق الفعّالة التي يمكن أن تلجأ إليها الحكومات لمكافحة نوع معين من أنواع التلوث حظر الملوث، فمثلاً حظرت بعض الدول إستخدام المبيد الحشري الخطر (دي تي تي) في كل الأغراض، عدا الأغراض الأساسية، وقد وجد المزارعون بدائل أقل ضررًا يمكن أن تحل محله.
و قد تحظر حكومة ما بعض الاستخدامات لمادة معينة وتبيح بعضها الآخر. فالرصاص مثلاً، فلز سام في مقدوره أن يسبب تلف الدماغ و الكلى و الأعضاء الأخرى، و قد حظرت الولايات المتحدة الأمريكية إستخدام البنزول المرصص و الدهانات المنزلية الرصاصية، ولكنها تسمح بإستخدام الرصاص في البطاريات و مواد البناء و الدهانات الصناعية، و على الرغم من الاستخدام المستمر للرصاص في بعض المنتجات إلا أن القيود على هذا الفِلِزّ في الدهانات و الوقود قد حَدَّتْ المشاكل الصحية التي يسببها.
و من الإستراتيجيات الحكومية التي يمكن أن تساعد في مكافحة التلوث، فرض الغرامات على الشركات المسببة للتلوث، ففي أستراليا و عدد من الدول الأوروبية تُفرض الغرامات على المؤسسات التي تلوث مجاري المياه، و مثل هذه الغرامات كفيلة بتشجيع الشركات على الإستثمار في أجهزة مكافحة التلوث أو في تطوير وسائل تشغيل قليلة التلوث، و في إمكان الحكومات أن تفرض الضرائب على المنتجات الملوثة، فمثلاً تفرض معظم الدول الإسكندينافية الضرائب على القوارير غير المُستَرجَعة، و تقضي بعض الأنظمة الحكومية ببساطة أن على المؤسسات أن تُعْلِم الجمهور بعدد الملوثات التي تلقي بها إلى البيئة، و قد دفعت هذه الأنظمة بعض الشركات إلى البحث عن طرق تحد بها من التلوث، للحيلولة دون تكوين المستهلكين لإنطباع سيئ عنهم و الإنصراف عن شراء منتجاتهم.
و يصعب التحكم في العديد من أنواع التلوث، ويرجع السبب في ذلك إلى أن ملكية الموارد العالمية، أي المحيطات والغلاف الجوي، ليست فردية، ولا تخص أُمَّة بعينها، و لابد لسكان العالم، و الحالة هذه من أن تتضافر جهودهم من أجل مكافحة التلوث.
وقد دأب ممثلون عن الكثير من الدول على الاجتماع منذ السبعينيات لمناقشة الطرق الكفيلة بالحد من التلوث الذي يؤثر في ماء و هواء كوكب الأرض، و عقدت هذه الدول المعاهدات و المواثيق التي تساعد في مكافحة مشاكل مثل المطر الحمضي و نقصان طبقة الأوزون و إلقاء المخلفات في المحيطات، ففي الإتفاقية التي أطلق عليها بروتوكول مونتريال حول المواد التي تستنزف طبقة الأوزون، والتي عقدت في سنة 1989م، إتفقت الدول المنتجة للكلورو فلورو كربونات على إيقاف إنتاجها لهذه الكيميائيات تدريجيًا، و نص تعديل لهذه الاتفاقية أجري في سنة 1991م على حظر الكلورو فلورو كربونات حظرًا تامًا بحلول عام 2000م، و في عام 1992م وافقت العديد من الدول الأوروبية على وقف إنتاجها من الكلورو فلورو كربونات قبل ذلك التاريخ، أي بحلول 1996م.
وقد أوقفت معظم الدول إنتاج الكلورو فلورو كربونات في الموعد المحدد، وأرجأت بعض الدول تنفيذ القرار إلى عام 2010م. وفي عام 1992م أيضًا اجتمع ممثلون عن 178 دولة في ريو دي جانيرو لحضور مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة و التنمية، وقد كان هذا المؤتمر، الذي عُرف بقمة الأرض، أهم مؤتمر عالمي إنعقد حول البيئة، حيث وقّع أعضاء الأمم المتحدة على إتفاقيات لمنع تأثير البيت المحمي و الحفاظ على الغابات و الكائنات المهددة بالإنقراض و مواضيع أخرى.
وفي عام 2001م، وقّعت 127 دولة على إتفاقية حظر إستخدام 12 من الملوثات العضوية المداومة، و تنتقل هذه المواد الكيميائية ومن بينها مادة " د.د.ت " بالهواء و الماء عبر الدول مهددة الإنسان و الحيوان على حد سواء، و حثت الإتفاقية العلماء و الشركات الصناعية و الحكومية على التقليل من وجود الملوثات العضوية المداومة في البيئة.
الجُهود العِلميّة
دفع الاهتمام الواسع بالبيئة العلماء و المهندسين إلى البحث عن الحلول التقنية لهذه المسألة، فبعض الأبحاث تحاول إيجاد طرق للتخلص من التلوث أو تدبيره، و بعضها الآخر يهدف إلى منعه، و يعمل العديد من الباحثين الصناعيين على إيجاد المزيد من الطرق الاقتصادية لإستخدام الوقود و المواد الخام الأخرى، و نتيجة لهذه الأبحاث تستخدم بعض المدن الأوروبية حاليًا حرارة المخلفات الناتجة عن محطات القدرة و محارق النفايات، في تدفئة البيوت، و تحرق المحركات الحديثة الوقود بطريقة أنظف و أكثر فعالية من المركبات القديمة، كما طور بعض الباحثين سيارات تستخدم وقودًا نظيف الإشتعال مثل الميثانول (وهو مادة كحولية) والغاز الطبيعي.
و تستخدم بعض السيارات في البرازيل نوعًا آخر من الكحولات، وهو الإيثانول وقودًا، و يعكف العلماء أيضًا على تطوير سيارات تعمل بغاز الهيدروجين، و هو غاز لا يُصدر أي تلوث إذا ما اشتعل.
و يبحث العلماء و المهندسون في طرق لتوليد الطاقة الكهربائية بتكلفة أقل من الموارد المتجددة مثل الرياح والشمس، والتي قلما نتج عنها أي تلوث، و تزود حقول واسعة من طواحين الهواء، تسمى مزارع الريح العديد من الأقطار بالكهرباء، حيث تُحوِّل نبائط تسمى الخلايا الفولتية الضوئية أشعة الشمس مباشرة إلى الكهرباء. ففي مدينة ساكرامنتو بكاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية تنتج محطة قدرة فولتية ضوئية تكفي لإنارة ألف منزل.
المؤسسات و المصانع
إكتشفت العديد من الشركات أن الحد من التلوث أمر مطلوب من المنظور التجاري، فقد وجد بعضها أن الحد من التلوث يحسِّن صورتها لدى الجماهير كما أنه يوفر المال، و طَوَّر آخرون منتجات أو وسائل لا تشكل خطورة على البيئة، و ذلك سعيًا لكسب رضى المستهلكين، كما طور البعض الآخر أنظمة لمكافحة التلوث لإعتقادها بأن القوانين سترغمهم على فعل ذلك، آجلاً أو عاجلاً، و تحد بعض الشركات من التلوث لأن القائمين على هذه الشركات آثروا أن يفعلوا ذلك.
لقد كان التخلص من المخلفات في الماضي رخيصًا نسبيًا لمعظم المؤسسات، أما اليوم فإن المواقع المصرح بها للتخلص من النفايات أضحت نادرة، و زادت تكاليف إستخدامها، و نتيجة لذلك إبتدعت العديد من المؤسسات طرقًا لإنتاج أقل قدر ممكن من المخلفات، فمثلاً قد يستخدم المصنعون حدًا أدنى من التغليف، ومواد تغليفية يمكن إعادة تدويرها، إذ كلما خفّ التغليف قلّ إستهلاك موزعي المنتجات للوقود، وقلّ ما يلقي به المستهلكون من التغليف في النفايات.
و تتخصص العديد من المؤسسات في أنواع مختلفة من وسائل إدارة التلوث، و يتوقع لأعمال الحد من التلوث، أو القضاء عليه، أن تكون واحدة من أسرع الصناعات المستقبلية نموًا، فمثلاً، طورت بعض مؤسسات إدارة التلوث نبائط للتخلص من الهبائيات الضارة المنطلقة من المداخن، فالهبائيات يمكن إحتجازها باستخدام المرشحات، أو المصائد التي تستخدم الكهرباء الساكنة، أو نبائط تسمى المغسالات، تغسل الهبائيات عن طريق الرش بالكيميائيات، و تساعد مؤسسات أخرى الشركات في تنفيذ الأوامر الحكومية من أجل التخلص من التلوث، و تدير بعض المؤسسات برامج إعادة التدوير وحفظ الطاقة. كما تساعد بعض المؤسسات الأخرى في تطوير عمليات تقلل من الملوثات.
و بصرف النظر عن السبب والكيفية التي بدأت فيها الصناعات في التخلص من الملوثات، فإنها عملية بطيئة و باهظة التكاليف، و تعتمد العديد من المؤسسات على أرخص طرق الإنتاج المتاحة، حتى لو كانت هذه الطرق تحمل التلوث في طياتها، فمحطات القدرة على سبيل المثال، تحرق عادة الزيت و الفحم لتوليد الكهرباء، نظرًا لكونها أكثر الطرق ملاءمة من الناحية الاقتصادية، و يستخدم المصنعون الكادمْيُوم و الرصاص و الزئبق في صناعة البطاريات، لأن هذه الفلزات، على الرغم من سُمّيَتِها، تحسن كفاءة البطاريات.
و عندما تضاف تكلفة التخلص من التلوث الناتج عن طرق الإنتاج الحالية إلى تكاليف التصنيع، يتضح أن الطرق قليلة التلوث هي الأفضل من الناحية الاقتصادية.
الزراعة
يطور العلماء و المزارعون طرقًا لتنمية الغذاء تتطلب القليل من الأسمدة و المبيدات، و يستخدم الكثير من المزارعين الدورات الزراعية، أي المناوبة بين المحاصيل من سنة لأخرى، لتقليل الحاجة إلى الأسمدة الكيميائية، فالمناوبة بين الذرة و القمح و المحاصيل الأخرى و البقول، كالفصفصة وفول الصويا، تساعد في تعويض النيتروجين المفقود من التربة، و تساعد الدورات الزراعية أيضًا في مكافحة الآفات و الأمراض الزراعية، و يستخدم بعض المزارعين خليط التسميد و الأسمدة الأخرى التي لا تضر التربة، و بدلاً من رش المحاصيل بالمبيدات الضارة يكافح بعض المزارعين الحشرات بإطلاق أنواع من البكتيريا أو الحشرات الأخرى التي تفترس هذه الآفات، و يعكف العلماء على تطوير نباتات مُهَنْدَسَة وراثيًا، تقاوم الآفات الزراعية.
و يسمى إستخدام الدورات الزراعية و إستخدام الأعداء الطبيعيين للآفات معًا المكافحة الطبيعية للآفات، و يطلق على التجميع بين الاستخدام المحدود للمبيدات الحشرية الكيميائية و المكافحة الطبيعية الإدارة المتكاملة لمكافحة التلوث للآفات، و يستخدم الذين يلجؤون إلى هذا النوع من المكافحة كميات قليلة من المبيدات الكيميائية، و حتى هذه الكميات القليلة لا يستخدمونها إلا إذا رأوا أنهم سيحصلون على نتائج جيدة.
المُنَظّمات البِيئيّة
تساعد في مكافحة التلوث عن طريق محاولة التأثير على المشرِّعين و إنتخاب القادة السياسيين الذين يولون إهتمامًا بالبيئة، و تقوم بعض الجماعات بجمع الأموال لشراء الأراضي و حمايتها من الاستغلال، و تدرس جماعات أخرى تأثيرات التلوث على البيئة، و تطور نظمًا لإدارة و منع التلوث، و تستخدم ما توصلت إليه من نتائج لإقناع الحكومات و الصناعات بالعمل على منع التلوث أو الحد منه، و تقوم المنظمات البيئية أيضًا بنشر المجلات و المواد الأخرى لإقناع الناس بضرورة منع التلوث، و تقف جماعة السلام الأخضر و أصدقاء الأرض في طليعة هؤلاء الناشطين.
و قد تشكّلت أحزاب سياسية تمثل الإهتمامات البيئية في العديد من الدول الصناعية، و لهذه المنظمات ـ والتي تعرف بأحزاب الخُضْر ـ تأثير مُتَنامي على السياسات الحكومية تجاه البيئة، ومن الدول التي توجد فيها مثل هذه الأحزاب أستراليا و النمسا و ألمانيا و فنلندا و فرنسا و نيوزيلندا و أسبانيا و السويد.
جُهود الأفراد
يعد حفظ الطاقة من أهم الطرق التي يمكن للفرد أن يتبعها للحد من التلوث، فحفظ الطاقة يحدّ من التلوث الهوائي الناجم عن محطات القدرة، وقد تؤدي قلة الطلب على الزيت و الفحم الحجري إلى التقليل من إنسكاب الزيت، و من التلف الحاصل للمناطق المشتملة على الفحم الحجري، و التقليل من قيادة السيارات يعد أيضًا أحد أفضل طرق توفير الطاقة وتجنب التلوث الحاصل للهواء.
في مقدور الناس توفير الطاقة الكهربائية عن طريق شراء مصابيح الإنارة و الأجهزة المنزلية ذات الكفاءة العالية، فمصابيح الفلورسنت، على سبيل المثال، تستهلك 25% فقط من الطاقة التي تستهلكها المصابيح المتوهجة، و يمكن أيضًا توفير الطاقة بالتقليل من إستخدام الأجهزة، و بإطفاء الأجهزة و المصابيح في حالة عدم وجود حاجة إليها، و بتوقيت ضابط الحرارة المنزلي على 20°م أو أقل في الشتاء، وعلى 26°م أو أكثر في الصيف، و بالإضافة إلى ذلك، تحتاج المباني التي عولجت نوافذها بطريقة خاصة، و ذات العزل الجيد، إلى قدر من الوقود و الكهرباء ـ بغرض التدفئة أو التبريد ـ أقل بكثير من المباني التي تخلو من هذه الميزات.
و في مقدور الناس أيضًا شراء المنتجات التي لا تشكل خطرًا على البيئة، فبإمكان الأسر، على سبيل المثال، أن تحدّ من التلوث عن طريق تقليل إستخدام المنظفات السامة، و التخلص الصحيح من هذه المنتجات، فإذا ما إمتنع المستهلكون عن شراء المنتجات الضارة فلسوف يتوقف المصنعون عن إنتاجها.
و من الطرق الأخرى التي يمكن للناس أن يحدوا بها من التلوث الحد من أكل اللحوم، فالمزارعون يستخدمون كميات كبيرة من الأسمدة لزيادة كمية الحبوب التي تتغذى بها المواشي، ولو أن الناس قللوا من أكل اللحوم و زادوا أكل الحبوب و الخضراوات لقلل المزارعون من إستخدامهم للأسمدة و المبيدات، ولا يرضى كثير من الناس من الفاكهة و الخضراوات إلا الصحيحة الكاملة، و الخالية من العيوب، وهذا ما يقدر المزارعون على توفيره دون إستخدام كميات كبيرة من المبيدات، ولو أن الناس إرتضوا الفاكهة و الخضروات بما فيها من عيوب طفيفة، لقلل المزارعون إستخدامهم للكيميائيات.
و من أسهل الطرق التي يمكن للأفراد إتباعها من أجل منع التلوث، إعادة إستخدام المنتجات فمثلاً، يستخدم بعض منتجي الألبان القوارير الزجاجية بدلاً عن العبوات الكرتونية الورقية، و يمكن إعادة تعبئة هذه القوارير و إستخدامها مرة أخرى، و في مقدور الناس إعادة إستخدام الأوراق القديمة و الحقائب البلاستيكية لحمل مشترياتهم أو وضع النفايات فيها، و بإعادة إستخدام المنتجات يمكن للناس تجنب التلوث المرتبط بإنتاج المزيد من المنتجات و التلوث المتسبب عن رمي المنتج.
و التدوير طريقة أخرى لإعادة إستخدام المواد، فالعديد من المدن و البلدات تنظم عملية تجميع المخلفات من أجل إعادة معالجتها، و يوفر التدوير كلا من المادة و الطاقة و يمنع التلوث، و هناك الكثير من المخلفات المتنوعة التي يمكن تدويرها، ومن المخلفات الشائع تدويرها : العلب و الزجاج و الورق و الأوعية البلاستيكية و الإطارات القديمة، فالعلب يمكن صهرها واستخدامها في تصنيع علب جديدة، و الزجاج يمكن سحقه و تصنيع أوعية جديدة منه، أو إستخدامه في مواد البناء، و الورق يمكن معالجته إلى منتجات ورقية مختلفة، و يمكن صهر البلاستيك و إعادة تشكيله إلى سياج أو ألواح أو مناضد أو سجاد، أما الإطارات القديمة فيمكن حرقها لإنتاج الطاقة، أو تقطيعها و إضافتها إلى الأسفلت، أو صهرها و قولبتها إلى منتجات مثل الحصائر الأرضية و معدات الملاعب.
و أهم الطرق التي يمكن للناس أن يكافحوا بها التلوث، أن يتعلموا قدر إستطاعتهم كيف يمكن لنشاطاتهم أن تؤثر على البيئة، و في مقدورهم بعد ذلك، أن يلجأوا إلى خيارات ذكية، للتقليل من الدمار الحاصل لهذا الكوكب.
القضايا البيئية الحالية
تشمل القضايا البيئية الحالية الحاجة إلى الموازنة بين مكاسب و مخاطر مكافحة التلوث، و الآثار المترتبة على إنتشار التلوث.
الموازنة بين المكاسب و المخاطر
أدى الإهتمام المتزايد بالبيئة إلى الإحتجاج على كثير من المنتجات و الممارسات، ولكن بعض المنتجات و العمليات موضع النزاع، تقدم فوائد للمجتمعات فمثلاً، تجادل الناس حول الحفاظات ذات الإستعمال الواحد، لأنها تحتل حيزًا في حفر الردم و تتحلل ببطء، غير أن الحفاظات القماشية تتطلب غسيلاً، و الغسيل يلوث الماء و يستهلك الطاقة، و تولد محطات القدرة النووية الطاقة دون أن تسبب تلوثًا للهواء، ولكن هذه المحطات تنتج مخلفات إشعاعية يصعب التخلص منها.
و تعمل المؤسسات و جماعات البيئة و العلماء على تحديد : أي المنتجات و المواد و العمليات ينتج معظم التلوث، ولكن الخيارات المتاحة قليلة، و يصعب في الغالب تحديد المكاسب و المخاطر التي تعود على البيئة من المنتجات و الممارسات المختلفة.
و عند إصدار القوانين الخاصة بالتلوث، ينبغي على المسؤولين الحكوميين أن يأخذوا بعين الاعتبار المخاطر الناجمة عن الملوث و الآثار المالية المترتبة على اختيار نظام معين، وتقتضي بعض الأنظمة أن تحصل الصناعات على أجهزة لمكافحة التلوث عالية التكلفة، أو تحدث تغييرات إنتاجية مكلفة أو تتوقف عن تصنيع بعض المنتجات.
و قد تسبب مثل هذه التكاليف الفجائية خروج بعض الصناعات عن مجال العمل مما يخلق البطالة، وقد ينتج عن ذلك أن تشكل الآثار المترتبة على بعض قوانين التلوث المقترحة ضررًا على الناس أكبر من الضرر المترتب على الملوِّث نفسه.
آثار النمو السكاني
على الرغم من التقدم المطرد في حماية البيئة، إلاّ أن مسألة التلوث قد إتسع نطاقها و إزداد خطرها الكامن، ويعود السبب الرئيسي في إزدياد التلوث إلى النمو الكبير في عدد سكان الأرض يوميًا، ويعني المزيد من الناس وجود المزيد من المخلفات من كل صنف، وبناء عليه فإن الحد من النمو السكاني يعد من أهم الطرق التي يمكن أن تستهل بها عملية مكافحة التلوث البيئي، حيث يتوقع أن يخفف الحد من النمو السكاني حدة التلف، و يعطي الناس مزيدًا من الوقت لتطوير أنظمة فعالة لمكافحة التلوث.
ويحدث معظم النمو السكاني العالمي في الأجزاء الفقيرة من العالم، بما في ذلك دول معينة في آسيا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية، حيث يستغل الناس في هذه المناطق ما يتاح لهم من موارد قليلة لسد الكفاف، و تكافح حكومات الدول النامية من أجل بناء الصناعات الحديثة و النظم الزراعية الكفيلة بتوفير متطلبات الحياة الأساسية لمواطنيها، ولكن العديد من الدول النامية تستخدم تقنيات قديمة تؤدي إلى التلوث، وذلك لعدم قدرة هذه الدول على تحمل تكاليف المكننة الحديثة و الفعالة، وحتى لو إستطاعت توفير تكاليف مكافحة التلوث، فسيستمر التلوث في العالم النامي في الارتفاع، و ذلك ـ ببساطة ـ لأن هذه الدول ماضية في طريق التصنيع، و يعني المزيد من الصناعة المزيد من التلوث.
الإسراف في العالم الصناعي
إعتاد كثير من الناس في اليابان و الدول الغنية في أمريكا الشمالية و أوروبا على أنماط حياتية مريحة، حيث تستهلك كميات كبيرة من الطاقة و المواد الخام وينتج عن ذلك الكثير من المخلفات، فالشخص الذي يعيش في الدول الصناعية يستهلك حوالي عشرة أضعاف ما يستهلكه الشخص في الدول النامية من الوقود الأحفوري و الكهرباء، وينتج ما يتراوح بين ضعفي و ثلاثة أضعاف ما ينتجه الشخص في الدول النامية من المخلفات البلدية، و ربما كان على الناس في العالم الصناعي أن يقبلوا بمستويات من الراحة و الرفاهية أقل مما هي عليه إذا ما أريد للتلوث أن يصل إلى حده المعقول، و يتطلب حل مشاكل التلوث البيئي العالمية تعاون الحكومات والصناعات في كل الدول، غنيها و فقيرها، كما يتطلب تضافر جهود الأفراد في كل أنحاء العالم.
أنظر أيضا : تلوّث البحيرات و الأنهار.
نحن البشر من أكثر و أقوى الأسباب التي تؤدي بكوكب الأرض إلى فنائها
ردحذف