الإسكندر الأكبر (356-323 ق.م) ملك مقدونيا، و إشتهر أيضًا بإسم الإسكندر المقدوني، و هو أحد كبار القادة العسكريين في التاريخ و كان قد فتح كثيرًا من بلاد العالم المتمدن المعروفة في ذلك الوقت، و نقل إليها الأفكار الإغريقية، و الطرق التي كان الإغريق يتخذونها لصنع الأشياء، و إستطاع هذا الفاتح أن ينشر الثقافة الإغريقية التي عرفت في ذلك الوقت بشكل واسع في البلاد التي فتحها.
صباه
ولد الإسكندر في بِيلاّ بمقدونيا، و هو إبن فيليب المقدوني الذي كان قائدًا ممتازًا و إداريًا بارعًا.
أما أمه فكان إسمها أوليمبياس، و كانت أميرة إيبرَسْ، كانت إمرأة ذكية حادة الطباع، و ورث الإسكندر أحسن ما لدى والديه من صفات و لكنه كان أكثر طموحًا من والده، و كان كثيرًا ما يبكي كلما سمع بفتوحات والده و يقول إن والده لن يترك له شيئًا عظيمًا ليقوم بإنجازه في المستقبل، و كانت أم الإسكندر تقول لإبنها إنه من ذرية أخيل ذلك البطل اليوناني الشهير، و أن والده من أحفاد هرقل.
و حفظ الإسكندر الإلياذة عن ظهر قلب و هي تلك القصيدة الإغريقية التي تتحدث عن بطولات الإغريق الأسطورية و ما فعله أخيل، و كان يحمل معه نسخة من الإلياذه، كما كان أخيل مثله الأعلى.
كان الإسكندر في صباه شجاعًا لا يهاب، و قد إستطاع أن يمتطي الجواد الجموح بوسيفالوس في صغره، و كان هذا الجواد هو الذي حمله في فتوحاته العظيمة عندما كبر حتى مات الحصان بالهند، و قد بنى الإسكندر مدينة على نهر هايداسبس سمّاها بوسيفالا تخليدًا لذكرى هذا الحصان.
شبابه
عندما بلغ الإسكندر الثالثة عشرة من عمره أصبح تلميذًا للفيلسوف اليوناني الكبير أرسطو ( أرسطو طاليس ).
إستطاع أرسطو أن يغرس في تلميذه حب الأدب، و نمط الحياة الإغريقية، و المثل العليا لليونانيين و حبهم للعلوم و المعارف، و كان الإسكندر يشارك في الألعاب الرياضية، و كان أرسطو يحدثه عن البلدان الأخرى و ما فيها من مختلف الأجناس حتى يزيد من إهتمامه بالعالم الخارجي، و ما فيه من أمم، و كان الإسكندر يرى بعض هؤلاء الناس سفراء في بلاط والده، فكان يتحدث معهم، و يعرف شيئًا عن أحوال بلادهم.
لما بلغ الإسكندر العشرين من عمره مات والده، و أصبح هو الملك على مقدونيا، و كانت بلاد الإغريق الأخرى قد مَلّت الخضوع إلى والده، و كان الإسكندر مشغولاً في حرب مع بعض الإغريق فثارت على حكمه مدينة طيبة، فما كان منه إلا أن هاجمها و دمّرها عن آخرها عدا المعبد و منزل الشاعر بندار، و باع 30,000 شخص من أهل المدينة رقيقًا.
و هكذا حطم الإسكندر روح الثورة التي أظهرتها المدن الإغريقية.
فتح فارس و إحتلالها
ثم أدار الملك الصغير طموحه إلى فتح إمبراطورية فارس عملاً بالخطة التي كان والده فيليب قد وضعها، و أعد لها العُدّة، و في ربيع عام 334 ق.م، سار بجيشه المُكَوّن من 35,000 مقاتل نحو بلاد فارس، و هو يأمل في نصر مبكر إذ كانت أمواله قليلة.
إلتقى بالجيش الفارسي أول مرة في معركة نهر جرانيكس، و تمكن من هزيمة الفُرس، و فُتِحت أراضي آسيا الصغرى أمام جيشه، و لما رأى الملك داريوس الثالث هزيمة جيشه أعد جيشًا آخر لملاقاة الإسكندر.
و لكن الإسكندر إستطاع أن يهزم الجيش الفارسي، و يدخل معسكر الملك داريوس الثالث حيث أسر زوجته و أمه، و عاملهما أحسن معاملة، ذهب إلى صور و حاصرها لمدة سبعة شهور، ثم فتحها عنوة، و قتل ثمانية آلاف من سكانها، و باع 35,000 شخص عبيدًا.
و يعتبر إنتصاره على صور من أعظم إنتصاراته الحربية، ثم تقدم نحو غَزّة، و لاقت نفس المصير الذي لاقته صور، ثم سار نحو مصر، فلقيه أهلها بترحاب، إذ كانوا قد ذاقوا الأمرّيْن من الفرس، و بنى هناك ميناء الإسكندرية التي أصبحت من أهم مراكز العالم العلمية و التجارية.
و من هناك قرر الذهاب إلى معبد زيوس " أمون " في الصحراء الليبية حيث دخل المعبد، و قيل له هناك ـ كما تزعم الروايات ـ إنه إبن الإله، و أنه سوف يفتح سائر أنحاء العالم.
معركة أرْبيلا
و في عام 331 ق.م، إلتفت الإسكندر مرة أخرى إلى الجبهة الفارسية، إذ كان داريوس الثالث قد جمع جيشًا ضخمًا بالإضافة إلى الخيالة الثقيلة المشهورة، و كثيرًا من العربات الحربية ذات السكاكين البارزة من عجلاتها و أعد الفرس ميدانًا فسيحًا للمعركة و ذلك بتعبيده و تسويته، و كان ذلك الميدان بالقرب من أربيلا.
و في تلك المعركة، إستطاعت الخيالة الفارسية أن تلتف حول مَيْسرة الإسكندر، و أن تستولي على معسكره، و لكن الإسكندر قام بمبادرة هجومية تولاها بنفسه، و إستطاع أن يتغلب على داريوس الثالث و أجبر الجيش الفارسي على التقهقر نحو الشرق.
إستسلمت بعد ذلك مدينة بابل، و تبعتها مدن أخرى، و إستولى على ما فيها من ذهب و فضة، و قتل كثيرًا من سكان هذه المدن أو باعهم رقيقًا، كما أحرق مدينة بِرْسِيبوليس إنتقاماً من الفرس الذين أحرقوا مدينة أثينا سنة 480 ق.م. و لما بلغ الجيش الإغريقي هذه المرحلة من الحرب، فقد الجنود شهيتهم لمواصلة القتال، و أرادوا أن يعودوا إلى أوطانهم.
عبر الإسكندر جبال زاغروس و دخل ميديا عام 330 ق.م، و كان داريوس الثالث قد هرب إلى تلك الجهات ، و قتله بعض نبلائه بعد ذلك بقليل، و وجد الإسكندر نفسه ملكًا على آسيا.
و لم يصادف بعد ذلك حربًا قوية، فعين بعض نبلاء إيران حكامًا محليين على المناطق و الأقاليم المختلفة التي فتحها.
ثم جند الإسكندر بعض الإيرانيين في جيشه، و تقدم نحو الأراضي الهندية فلما وصل الصغد تزوج روكسانا إبنة أحد النبلاء الصغديين هناك.
و في الصغد، خرج الإسكندر عن طوره و قتل أحد أصدقائه المقربين، المدعو كِليتسْ، في مشاجرة لعبت فيها الخمر برأسيهما، فغضب منه جنوده المقدونيون و حاولوا إغتياله، فما كان منه إلا أن أعدم عددًا من رجاله البارزين من إغريق و مقدونيين.
الإنتصار في الهند
ألحق الإسكندر عددًا من الجنود الإيرانيين بجنوده، و زحف بهذا الجيش نحو الهند، حتى وصل إلى سهولها الغنية سنة 326 ق.م، و كان يريد أن يتقدم في الأراضي الهندية لولا أن تمرد عليه جيشه، و كانت هناك عدة مؤامرات تستهدف حياته إلا أنه نجا منها.
ثم إنشغل الإسكندر بعد ذلك بتنظيم البلاد التي فتحها و بإدارتها، و كان أقصى ما وصلت إليه أملاكه من البلاد التي فتحها إمتدادها من البحر الأيوني إلى شمالي الهند، و كان يريد أن يجعل من آسيا و أوروبا قُطرًا واحدًا، و أن يجمع أحسن ما في الشرق مع ما في الغرب،و إختار بابل عاصمة له.
و لكي يحقق أهدافه، فقد كان الإسكندر يشجع رعاياه على الإختلاط بالزواج، و ضرب لهم المثل على ذلك بنفسه حين تزوج أميرة فارسية، و عين جنودًا من مختلف الأجناس في جيشه، و صاغ عملة مُوَحّدة لكي تُستَعمل في كافة الأراضي الخاضعة له في الإمبراطورية.
ساعد الإسكندر المقدوني على إزدهار التجارة، و كان يشجع إنتشار الأفكار و العادات اليونانية في آسيا و إستعمال القوانين الإغريقية، و كان إذا رأى أحدًا من حكام الأقاليم لا يعدل في حكم رعيته فإنه كان يعزله.
موته
كان الإسكندر ينوي ضم الجزيرة العربية، و لكنه أصيب بحمى الملاريا في بابل، و إنتهى به الأمر إلى أن مات في 13 يونيو سنة 323 ق.م، و وضع جثمانه في تابوت و حمل إلى ممفيس في مصر، و من هناك إلى الإسكندرية حيث وضع في ضريح.
لم يوص الإسكندر بالحكم من بعده لأحد، و قد ولد إبنه الوحيد بعد موته، و كان قادته قد إقتسموا إمبراطوريته، و لم يستطع أي منهم أن يجعل كل تلك الأراضي تحت حكمه، و كان ذلك في عام 311 ق.م.
أنظر أيضا: مقدونيا ، أوليمبياس ، فيليب الثاني.