الغابات الإستوائية المطيرة
غابات من أشجار طويلة في إقليم يتميز بالدفء والمطر الوفير طوال العام، تقع كل تلك الغابات تقريبًا بالقرب من خط الاستواء، و تحتل أقاليم كبيرة من إفريقيا و آسيا و وسط و جنوب أمريكا و جزر المحيط الهادئ، و أضخم الغابات الإستوائية المطيرة هي غابة الأمازون المطيرة التي تسمى أيضًا السِلْفا، و تغطي حوالي ثلث مساحة أمريكا الجنوبية، و تظل الغابات الإستوائية المطيرة خضراء طوال العام.
تحتوي الغابة الإستوائية المطيرة على أنواع من الأشجار أكثر من أية منطقة أخرى في العالم، و قد أحصى العلماء 179 نوعًا في منطقة مساحتها هكتار واحد في أمريكا الجنوبية، بينما تحتوي معظم الغابات الشمالية المعتدلة على أقل من سبعة أنواع في الهكتار الواحد، و يعيش حوالي نصف أنواع النباتات و الحيوانات في العالم في الغابات الإستوائية المطيرة، كما تعيش فيها أنواع كثيرة من البرمائيات و الطيور و الحشرات و الثدييات و الزواحف مقارنة بوجودها في أي مكان آخر.
و قد تنمو أطول الأشجار في الغابة المطيرة إلى 60 م و تكوّن تيجان (قمم) الأشجار الأخرى غطاء من الأوراق على ٱرتفاع يتراوح بين 30 و 45 مترًا فوق سطح الأرض، و يسمى هذا الغطاء بالظلة العلوية، و تشكل تيجان الأشجار الأقصر واحدة أو إثنتين من الظُلَل السفلية، و تظلل هذه الظلل أرضية الغابة بحيث تستقبل كمية من ضوء الشمس تقدر بأقل من 1% عما تستقبله الظُلّة العلوية، و يسمح الضوء القليل الذي يصل إلى أرضية الغابة بنمو قليل من الشجيرات و النباتات العشبية، و نتيجة لذلك، يمكن للمرء أن يتحرك بسهولة في معظم أجزاء الغابة الإستوائية المطيرة.
و توجد المناطق ذات النمو الكثيف التي تسمى الأدغال، بداخل الغابة الإستوائية المطيرة في المناطق التي يصل إلى أرضيتها ضوء أكثر من الشمس، و تنمو معظم الأدغال بالقرب من الأنهار العريضة أو في المناطق التي سبق أن قطعت أشجارها، و نادرًا ما ترتفع درجة الحرارة في الغابة المطيرة إلى ما فوق 35°م أو تنخفض إلى ما دون 20°م، و في معظم الحالات فإن متوسط درجة الحرارة لأكثر الشهور حرارة يزيد 1°م إلى 3°م فقط عن متوسط درجة الحرارة في أكثر الشهور برودة.
يسقط 200 سم على الأقل من الأمطار كل عام على الغابة الإستوائية المطيرة، و قد تسقط الأمطار الرعدية في أكثر من 200 يوم من السنة.
يكون الهواء الموجود تحت التغصُّنات السفلية رطبًا دائمًا، و تطلق الأشجار نفسها الماء من خلال المسامات الموجودة على أوراقها، و تسمى هذه العملية النّتح، و هي تشكل حوالي نصف كمية المطر في غابات الأمازون المطيرة.
تتشابه كل الغابات الإستوائية المطيرة، لكن كل واحدة من الثلاث الكبرى الآسيوية و الأمريكية و الإفريقية، تتميز بوجود مجموعة مختلفة من أنواع الحيوانات و النباتات.
فمثلاً تحتوي كل غابة مطيرة على العديد من أنواع القردة، لكنها مختلفة عن تلك الأنواع الموجودة في الغابتين المطيرتين الأخرتين.
و بالإضافة إلى ذلك، فإن مناطق مختلفة من نفس الغابة قد تحتوي على أنواع مختلفة من القرود.
فالعديد من الأشجار التي تنمو في منطقة الأمازون المطيرة، على سبيل المثال، لا تنمو في منخفضات تلك المنطقة.
الحياة النباتية
تتميز الغابة الإستوائية المطيرة بأنها دائمًا خضراء، و تفقد الأشجار أوراقها القديمة و تنمو عليها أوراق جديدة طوال العام، لكن أنواعًا معينة من الأشجار قد تفقد كل أوراقها لفترة قصيرة خلال السنة.
و تحمل الأنواع المختلفة من الأشجار أزهارًا و ثمارًا في أوقات مختلفة من العام، لذلك نجد هناك نوعًا ما من الأشجار يحمل أزهارًا أو ثمارًا في أي وقت من السنة.
تحمل بعض الأشجار القصيرة ثمارًا على الجذع أو على فروع ضخمة منخفضة، و تحمل بعض الأشجار العالية ثمارًا كبيرة على أعناق طويلة متدلية كالحبال.
و تشتمل الغابات الإستوائية المطيرة على أشجار فائقة الجمال، و أخرى تعطي ثمارًا و أخشابًا و منتجات مفيدة أخرى.
و تحمل أشجار كل من السنا و الدّاك و ذوات النواة و التابيبوية أزهارًا ذات ألوان زاهية، لكن معظم أشجار الغابة المطيرة ذوات أزهار أقل حجمًا، و يمكن ملاحظتها بدرجة أقل، و تبدو الظّلة خضراء اللّون بصفة دائمة، و تعطي أشجار كل من البندق البرازيلي و البلاذر الأمريكي و الدوربانز و جوز الجندم و الزعرور الأمريكي و العديد من أنواع التين و النخيل محصولاً من الثمار.
و يمكن الحصول على الخشب القيم من أشجار كل من البلزا و الخشب البرازيلي و اللّوان و البقم و الماهوجني و خشب الورد، و تحمل أشجار الكابوك ثمارًا تحتوي على ألياف زغبية تستخدم في حشو سترات النجاة و التنجيد، أما أشجار الكينا فتعطي عقّار الكينين، و يؤخذ الكورار و هو عقار آخر هام من متسلقات خشبية عديدة تنمو في الغابات الاستوائية المطيرة.
و ينمو العديد من النباتات، في غابة إستوائية مطيرة على أغصان الأشجار، حيث تتعرض لإضاءة أكثر مما لو كانت على التربة.
مثل هذه النباتات التي تسمى النباتات العالقة أو النباتات الهوائية تشمل السراخس و الحزازيات و الأورشيدي و البروملياد، و تلتف النباتات المتسلقة المسماة بالليانا حول جذوع الأشجار و أغصانها، و تكوِّن بعض أشجار الليانا حلقات و عقدًا بإستمرار نموها في ٱتجاه ضوء الشمس، أنظر: النبات الهوائي.
و تنمو أنواع من الأشجار الخانقة في الغابات المطيرة، إذ تبدأ هذه الأشجار حياتها نباتات هوائية، لكنها تكوِّن جذورًا تصل إلى الأرض.
تحيط هذه الجذور بجذع الشجرة التي يعيش عليها النبات الخانق، و قد يتمكن النبات الخانق مع الوقت من قتل الشجرة الأخرى بحرمانها من الغذاء و الضوء و الماء.
و تحتجز في الغابة الإستوائية المطيرة معظم المغذيات (الكيميائيات اللازمة للنمو) في المجموع الخضري، و تخزن كميات صغيرة من المغذيّات في طبقة رقيقة من التربة بالقرب من سطح الأرض، حيث تختلط النموات الخضرية المتحلّلة مع التربة، و تظل جذور معظم أشجار الغابات المطيرة قريبة من مصدر المواد الغذائية بالقرب من سطح الأرض، و تُكوِّن الجذور في بعض الأنواع نموات ضخمة تسمى الجذور الداعمة، تمتد بين الجذور و الجذوع، و قد تساعد هذه الأكتاف في حفظ الأشجار قائمة عمودية.
لا تحتوي الغابة الإستوائية المطيرة على نوع سائد من الأشجار، فقد تكون معظم الأنواع مبعثرة على نطاق واسع في كل مكان من الغابة، و تعتمد على الحيوانات في عملية التلقيح، أما في الغابات الغير إستوائية، فتسود أنواع معينة من الأشجار، و يحدث التلقيح أساسًا عن طريق الرياح.
الحياة الحيوانية
تعيش مجموعة متباينة من الحيوانات في الغابة الإستوائية المطيرة، و يمضي العديد من هذه الحيوانات حياته على الأشجار و لا يهبط أبدًا إلى الأرض، و تكون الثمار و الجوزات المتكونة في الظُلّة العلوية و السفلية قاعدة غذاء لكل من الخفاش، و الجيبون و القردة و السناجب و الببغاوات و الطوقان.
و تتغذى حيوانات الكسلان و بعض القردة بأوراق الأشجار، و تمتص الطيور الطنانة و طيور التُّميرة الرحيق من الأزهار.
و تسكن الضفادع و السحالي و بعض الثعابين بين فروع الأشجار، و تقوم كل من الطيور و الثعابين الضخمة بإفتراس الحيوانات الأصغر حجمًا، و تتأقلم معظم حيوانات الظِلَّة مع الحياة فوق قمم الأشجار، و ينزلق كل من اللَّيْمور الطائر و السناجب الطائرة من شجرة إلى أخرى بينما تقفز حيوانات الجلاغو و القرد المخطط من فرع إلى آخر، و تتعلق أنواع عديدة من الحيوانات آكلات النمل و القردة و الأبوسوم و الشَّيْهَم أحيانًا بذيولها.
و يطوف كل من الظِّبَاء و الأيائل و الخنازير و التابير و كثير من القوارض أرضية الغابة، حيث تتغذى بالجذور و البذور و الأوراق و الثمار التي تسقط على الأرض.
و تعيش حيوانات الشّمبانزي و القَواطي و العديد من فصيلة القط على أرضية الغابة، و في الأشجار، و يوجد النمل في كل المستويات في الغابة المطيرة، و تتوافر بغزارة أيضًا حشرات مثل النّحل و الفراشات و البعوض و العَثَّة و النّمل الأبيض إلى جانب العناكب.
الناس و الغابات المطيرة
على مرّ السنين لم يقطن الغابات المطيرة إلا القليل من الناس، و يقوم معظم هؤلاء بإخلاء مناطق صغيرة ليزرعوا مكانها المحاصيل حيث يقومون بقطع الأشجار و حرقها و زراعة البذور بين الرماد، لكن بعد سنوات قليلة لا تعطي الطبقة الرفيعة من التربة محصولاً جيدًا، حينئذ ينتقل المزارعون إلى مكان آخر و تبدأ هذه العملية من جديد.
يمكن لهذا النوع من الزراعة المسماة زراعة القطع و الحرق دعم حياة عدد قليل فقط من السكان.
و لا يمارس بعض سكان الغابات المطيرة حرفة الزراعة، فالأقزام في الغابات المطيرة في وسط إفريقيا، على سبيل المثال، يعيشون على صيد الحيوانات البرية و جمع النباتات البرية و التجارة مع القبائل الزراعية.
و اليوم، يهدّد النمو السريع لسكان العالم و زيادة الطلب على الموارد الطبيعية، معظم الغابات الستوائية المطيرة، فقد قام الناس بتدمير مساحات كبيرة منها عن طريق قطع الأشجار لإنشاء المزارع و المدن، و تسببت أعمال التعدين الضخمة و تربية الماشية و مشروعات إنتاج الخشب أيضًا في حدوث أضرار كثيرة، و يقدر العلماء أنه يتم تدمير نحو 5,5 إلى 22 مليون هكتار من الغابات الإستوائية المطيرة سنويًا، كما أنهم يخشون أن تؤدي الزيادة في تدمير الغابات إلى القضاء على السكان المحليين، و مئات الآلاف من أنواع النباتات و الحيوانات.